مريض مرضاً يقتضي الراحة التامة لم أجد أن خطر المضاعفات المرضية أشد من خطر الفكرة التي بدت في ثنايا كلمة الأستاذ، والدعوة الضمنية التي دعاها لشعراء الجيل، فجعلت أكتب هذه الكلمة على عجل!
ليست أمامي نصوص خطبة الأستاذ الكبير، وإنما أنا على ذكر من فحواها بعد السماع، وهي تتمنى فيما أعتقد أن يقوم بيننا من يخلف شوقي وحافظ في تسجيل أحداث مصر والهتاف بما في نفوس جمهورها، وبلورة أحاسيسه وصياغتها. ولم ينس الأستاذ أن يكون من هذه الأحداث التي لو رآها حافظ لقال فيها: توزيع البترول بالبطاقات. وبدا في كلام الأستاذ ونبرة الأسى على موت حافظ دون أن يخلفه أحد في منزلته هذه، أن هذه المزية تقتضي الأفضلية، وأنها أهم أدوات الشاعر وأفضل اتجاهاته، ولهذا تمنى أن يخلفه في مصر خلف من الشعراء.
وهذه دعوة خطرة. ومنشأ خطرها أن الهاتف بها هو الأستاذ أحمد أمين مؤرخ الأدب وعميد كلية الآداب ورئيس لجنة التأليف والترجمة والنشر وصاحب مجلة (الثقافة) وهو بهذه الصفات وبماضيه الأدبي وحاضره يملك سلطة التوجيه وله صفة القدوة.
ولا يمنعنا مقام الأستاذ الكبير واحترامنا العميق لشخصه وعلمه، أن نبدي الرأي الذي يقابل رأيه، وأن نرسل بهذا الرأي إلى مجلة الثقافة التي يشرف عليها!
ونحن نقول في جملة واحدة، وفي نفس واحد كذلك: إن هذه دعوة إلى نكسة من نكسات الشعر بعد ما تجاوز مرحلتها في مصر وفي العالم منذ أزمان، ونتمنى على الله ألا خلف شوقي ولا يخلف حافظ - مع احترامنا لذكراهما - خلف من الشعراء في خلة التعبير عن شعور الجماهير وبلورة هذا الشعور، ورصد الشعر للأحداث القومية والعالمية على طريقتهما وطريقة من يقلدونهما في هذا الزمان!
وأحب أن أبادر هنا بالتنبيه إلى أن شخص شوقي وشخص حافظ في ذمة التاريخ وبين يدي الله، أما شعرهما ففي ذمة النقد وبين أيدينا نحن! فليس من العقوق وليس من عدم اللياقة أن نتناول طريقتهما وشعرهما بالنقد، لأننا بحمد الله لا نؤمن بلياقة العوام! ولا بآداب الصالونات!
وعلى وجود الفرق بين حافظ وشوقي في تسجيلهما للأحداث إذا كان حافظ يسجلها لأنه