الموضوع والمعرب. ويكفي أيضاً لإدراكها أن تطالع فصول الكاتب الجديد وتقف على عظمة اتجاه المعرب في اختيار الموضوعات الإنسانية الرائعة التي عالجها الشعراء والكتاب الفرنسيون الذين عرب لهم؛ فالذي يطالع منها قصيدة (الشاعر المحتضر) للامرتين يتمنى من أعماق روحه أن لو كان هو ذلك الشاعر الفاني الذي يودع الدنيا وعلى قيثاره آخر نغم من أنغام الحب والجمال، وعلى قمة عظة السخرية الهائلة بالمجد الذي يفنى العالم جيلاً بعد جيل في سبيله، وما هو إلا لفظة جوفاء مجرودة من كل هذه المعاني الزائفة التي خلعها عليه الإنسان. وقصيدة (المستقبل التي وجهها فيكتور هوجو إلى نابليون عقيب اندحاره في (واترلو) حافلة بأخلد المعاني الإنسانية التي تتفجر بها قلوب الأحرار من الشعراء حيال الطغيان البشري الذي يجره المغترون بالبطولة والعنفوان، المتحكمون في رقاب العالم إشباعاً لشهواتهم وأنانيتهم. . . إلى آخر ما في هذه النفحة الجديدة التي يشاء القدر أن تطلع على الناس في وقت نرى فيه فرنسا مهد الشعر والفن والجمال والحرية أصبحت ميداناً لأكبر صراع في تاريخ البشرية بين الحرية والاستعباد، وفي لحظة يعتكر فيها ضباب الطغيان على أعظم منار في العصر الحديث للفنون والحضارة.
فلا أقل من أن تؤول ظهور هذا القبس الأدبي في ظلام المحن تحية صامتة لفرنسا وصوتاً جديداً يذكر الشرق بفضلها على الأدب الإنساني كله وعلى الأدب العربي بوجه خاص. . . نسأل الله هداية كتابنا إلى مثل هذا المجهود الأدبي العظيم الذي يضم به الزيات يداً جديدة من أياديه الخالدة على الثقافة المصرية والأدب العربي الحديث.