للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

للكاتب الذي يتعرض لما يتعرض له غيره ولو في إيراد مغاير ومن ناحية مباينة. وقديماً عدوا سرقات المتنبي. وفي العام الماضي ثاروا على الأستاذ المازني لأن فكرته في رواية له وافقت بعض الشيء فكرة رواية لمؤلف غربي.

والحق انهم مخطئون في هذا أو مسرفون، وأنه إن لم يكن بد من الحكم حسب الجدة، فعليهم أن ينظروا إلى أسلوب الأداء نفساً أهو جديد أم مستعار. فان كان جديد ألا يحرم صاحبه من فخر الإبداع الأدبي بل يجب أن يعترفوا له بالتفوق على صاحب الفكرة نفسا إذا صاغها صياغة أدق من صياغة سابقة وأكمل، لأنه حينئذ يكون قد أتى بما عجز عنه الأول. ولعل هذا الذي كان بعض المتقدمين يعنيه بقوله: إن المعاني معلومة للجميع وإنما المعول على النظم. هذا هو المقياس المستقيم وبه قدر المنصفون من النقاد الإنجليز حينما حكموا بأفضلية وصف العنكبوتة لبوب على وصفها لدريدن، وإن كان الأول مديناً بالفكرة التي قام عليها الوصف للثاني.

ومن الأمثلة القوية التي يصح الاستشهاد بها في هذا الموضوع شكسبير أعظم الشعراء السكسونيين، والذي لكتابته المنزلة التالية لمنزلة الكتاب المقدس في الأدب الإنجليزي. ولست أستشهد برواياته التاريخية يوليوس قيصر، وانطونيو وكيلوباتره، وكور يولينوس التي استعار أصولها بل بعض أخيلتها مما كتبه المؤرخ الشهير فلوطرخ وإنما أورد رواية أخرى لا تمت للتاريخ بنسب، وتعد من رواياته القيمة التي ألفها في عهد نضوجه الأدبي وهي رواية الليلة الثانية عشرة فقد أخذ حوادثها كلها عن رواية إيطالية، ومع ذلك لم يقل أحد إن شكسبيير لم يكن مبدعاً في هذه الرواية أو أنها ليست من مفاخرة الأدبية.

ومن المفيد أن نذكر خلاصة كل من الروايتين حتى يتبين القارئ مدى الاستعارة. فملخص الرواية الإيطالية وقد ألفت سنة ألف وخمسمائة وسبع وثلاثين أي قبل تأليف رواية شكسبير بنحو سبعين سنة واسمها جلينجاناتي ' , هو ما يأتي: فابرييتو وليليا. أخ وأخت فرقت بينهما ثورة روما في سنة ١٥٢٧ دفت المقادير بليليا إلى مودينا مقر فلامينيو الذي كان بينه وبينها علاقة غرام سابقة فتنكرت في زي شاب ودخلت في خدمته فوجدت أنه نسى حبها وتعلق بسيدة من أشراف مدينته تدعى إيزابلا. ليليا كشاب جذاب كانت تحمل رسائل الغرام من سيدها فلامينيو إلى إيزابلا. إيزابلا لم تتأثر بتوسلات فلامينيو ولكنها

<<  <  ج:
ص:  >  >>