ناحية أخرى أن يمعن في الاطلاع على الآداب الماضية، وتفهمها عديم الغناء القليل النفع، ومن غير المعقول أن يكون الأدب الحديث غير قائم على الآداب الماضية؛ كما انه من غير المعقول أن تكون المدنية الحديثة غير قائمة على المدنيات السابقة. اللهم إذا كان أدباً متأخراً لا يمثل العصر الذي قيل فيه.
والذي يؤاخذ به من يريد الاشتغال بالأدب أشد المؤاخذة هو ألا يكون مبتكراً في أسلوبه، أو بعبارة أخرى أن يكون أسلوبه مرقعاً من أساليب أدباء آخرين يحتذيهم وينحو منحاهم، ويا ليته يبلغهم. . . هذا لا سواه هو الادعاء الأدبي. فلا فرق بين الأديب المحسوب على الأدب بالنسبة إلى مأثور القول، إلا أن الأوليخضعه لطبيعته ويتصرف فيه حسب مزاجه الخاص. أما الثاني فيضعف أمامه أو تضعف طبيعته - ضعفه أمام المعبود المقدس فلا يستطيع أن يتناوله بتبديل أو تحوير
وعمل الأديب الحق يشبه تماماً عمل النحلة التي تحيل بطبيعتها الحلوة ما تمتصه من مختلف الأزهار إلى عسل مصفى لا تتبين فيه الأصول التي أخذ منها.