وما هو الأثير يا ترى؟ أهو مادة ترى أم تلمس؟ يقول لودج في تعريف صفاته: إنه لا يرى ولا يلمس ولا يسمع ولا يشم! بل هو ناقل الضوء وهو الرابط بين جزئيات المادة، كما أنه الوسيط لنقل الأشعة الكونية إلى الأشعة اللاسلكية، والأشعة الكونية تبلغ حداً قصيراً جداً بينما اللاسلكية قد تصل موجتها إلى اثني عشر ميلاً أو أزيد.
أما جولاته وصولاته في عالم الروح فهي مشهورة وعظيمة فاعتقاده في بقاء الروح بعد الموت نتيجة لتجاربه التي يقرر في إحداها أنه استطاع التحدث إلى ابنه المتوفى، ويعلل ذلك بقوله: إن الحياة والعقل يبدوان في مجال لا يشترط أن يكون مادياً دائماً، وعلى ذلك فبقاؤهما بعد انحلال الجسم المادي محتمل.
ولم يصل لودج إلى التحقيق العلمي في هذا الشأن، ولذلك فتعاليمه الروحية مثار كثير من الجدل، ولكن هذا لا يمنع من اعتباره واضع النواة لاتجاه لا يبعد أن يميط البحث عنه لثام الغموض، لا سيما وأن الكثير من المبادئ العلمية كانت في أول أمرها مثار الشكوك ثم ثبت صدقها ونفعها فيما بعد.
تذكر (لامارك) واذكر أبحاثه التي ظلت أعواماً طويلة في عالم النسيان بعد طول الجدل والمناقشة، وبعد أن كانت مثار الحقد والكراهية له من معاصريه العاملين معه في معهد واحد، وتذكر ما قاله (دارون) عن هذه الأبحاث تر أنه لا يبعد أن يجود الزمان بمن يواصل البحث في عالم الروح على ضوء ما تركه لودج من تراث عظيم في هذا المجال.
جمع لودج بين عالم الروح وعالم المادة، وله أبحاث هامة عظيمة قد أيدت، وأبرزها النتائج التي وصل إليها في ظواهر البرق والصواعق، والمسلك الذي سلكه للوقاية منها.
وله فضل عظيم على نظريات اللاسلكي والأمواج القصيرة والطويلة، فلا غرابة إذا اعتبره البعض إمام الابتكارات اللاسلكية الحديثة قبل ماركوني.
لقد وهب الله هذا الرجل صدق النظر وعلو الهمة والرغبة في العلم والإنتاج، كما منحه إلى جانب ذلك عمراً مديداً، فهو في هذا كله قد وفق تمام التوفيق وأدى رسالته على أحسن وجه.
فإذا سجلنا اليوم بعض مآثره وتناولنا حياته ببيان قصير، فإن هذا إلى جانب مكانته لا يعد شيئاً مذكوراً.