للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعلى أنه بالرغم من هذا التقصير وذلك الزهد فاز بشهادة الطب سنة ١٨٨١، وكان في مؤخرة الناجحين.

لم تكن مهنة الطب لتغري ذلك الطبيب الشاب بالرغم من فقره وحاجته إلى دخل يعيش به. فدفعه ميله إلى علم النفس إلى التخصص في مادة تتصل بهذا العلم وهي تشريح الدماغ والتحليل النفسي عامة، لأن الطب لم يكن قد قرر أن لكل فرد حالة نفسية يجب فحصها ودرسها على حدة، وهو ما استحدثه فيه (فرويد).

وقد تتلمذ فيما تخصص له على أستاذين اشتهرا بعلم التشريح وهما (بروك) و (مينير) فلم يلبثا أن لمسا في الطالب ميلاً طبيعياً إلى الاستكشاف المبدع.

نال (فرويد) سنة ١٨٨٥ درجة (أجريجاسيون) في علم الأعصاب، وهي درجة يحسد عليها لأنها تدر عليه المال الوفير، ولكنه عندما أخذ يعالج مرضاه برزت فيه ميزة خاصة لازمته طول حياته وهي طول المراقبة وإنعام الفكر في الأسباب والنتائج.

كان يعرف أن الأساليب التي كان أطباء (فينا) يتبعونها في معالجة المصابين بالأمراض العصبية غير ناجحة ولا شافية، وكان قد بلغه كيف طرد شر طردة من عاصمة بلاد النمسا (فرانز أنطون ميسمر) حين شاء أن يدخل التنويم المغناطيسي على الطب، فضاق فرويد ذرعاً بحالته ولم يجد له وسيلة ليتخلص بها من سيطرة أساتذة الجامعة على الأطباء عامة.

في تلك الحقبة من عمره بلغه أن بباريس طبيباً يعالج الأمراض العصبية والنفسية على طريقة تختلف تمام الاختلاف عن طريقة الأطباء النمساويين، وهو (شاركو) المتخصص في علم تشريح الدماغ، وأنه يقوم بتجاريب عجيبة بوساطة ذلك الفن المستحدث الممقوت في بلاده، وهو التنويم المغناطيسي، فسعى (فرويد) حتى حصل على إعانة من الحكومة تساعده على السفر إلى باريس، وقد سافر فعلاً في سنة ١٨٨٦ فوجد فيها جواً غير الجو الذي ألفه من قبل؛ وطالع كتاب الطبيب الفرنسي الكبير المسمى (الإيمان الشافي) فعرف الوسائل التي يدرس مؤلفه بواسطتها الحالات النفسية التي أحاطت بالعجائب التي روتها كتب الدين والتي كان الطب ينفيها إلى ذلك العهد.

شهد (فرويد) لأول مرة في حياته طبيباً يأبى أن يرى في (الهستيريا) مرضاً يصطنعه العليل أو يتظاهر به، كما كان يقرر أطباء النمسا، ويعترف بأنها مرض نفسي، بل لعله

<<  <  ج:
ص:  >  >>