للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين القلب والدين، وتقريب ما بعد بين الغني والمسكين، وتأليف ما نفر من القلوب المطمئنة، ووصل ما انقطع من الأرحام الشابكة. ولكنه وا أسفا لم ير في هذا العام المآذن تتلألأ في أجيادها قلائد النور، ولا فوانيس الأطفال تخفق شموعها في الشوارع والدور، فتذكر أن هناك على سواحل البحر الأبيض وشواطئ بحر المانش مدافع غير هذه المدافع، تنطلق لتطفئ كل نور وتظلم كل قلب وتخرب كل عامر وتقتل كل حي وتقطع كل سبب وتغشى أجواء السماء بدخان من البوار والدمار لا يقوم تحته قائم ولا ينسم فيه حي!

ليت الذي حول لوثر هتلر، ومسخ في هتلر الإنسانية نازية، جعل في كل ركن من هذا الجحيم الأوربي رمضان بحكمته وطبيعته وعقيدته! إذن لكان كل مدفع للسلام، وكل مصنع للخير، وكل مخترع للحياة، وكل مورد للناس! (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولكن لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم. وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين!).

إن الفرق بين مدافع رمضان ومدافع هتلر، كالفرق بين القرآن و (كفاحي). كتاب الله دستور الخالق لجميع خلقه، فهو خير مطلق وأمن شامل؛ وكتاب هتلر نزغ من الشيطان للألمان، فهو شر محض وفزع دائم. فأنا حين أسمع مدافع رمضان في الغروب أو في السحر، أعتقد أن جياعاً سينالون القوت، وضلالاً سيجدون المثوى، وجوارح ستكف عن اجتراح الإثم، ونفوساً سترتاض على مكاره الفضيلة، وأمماً في جميع بقاع الأرض سيغمرهم الشعور السامي الجميل بأنهم يسيرون إلى غاية الوجود قافلة واحدة، ممتزجة الروح متحدة العقيدة متفقة الفكرة، متشابهة النظام، متماثلة المعيشة.

وأنا حين أتصور مدافع هتلر أعتقد أن كتائب من الشباب الفريض قد صهرتهم النار فهم حمم على وجه الماء، أو مزقتهم الشظايا فهم مزق على أديم الثرى؛ وأن آلافاً من الدور الأنيسة قد نبت مراقدها فهي حبوس، وخمدت مواقدها فهي رموس، ثم دكتها القنابل فهي أنقاض على أشلاء، أو أحرقتها الصواعق فهي غسلين على فحم؛ وأن ملايين من الأطفال قد حرموا عطف الأب وحنان الأم، فهم يعانون في مطارح الغربة غصص الحرمان ومرارة اليتم؛ وأن ألوفاً من الأيامى والثكالى أصبحن بغير عائل ولا مأوى ولا أمل، فهن يمشين في ثيابهن السود بين الأطلال والخرائب كأنهن الأطياف الحزينة تجوس في الليل

<<  <  ج:
ص:  >  >>