للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يجابهني وجه الحريري، أي الصفاح من خدك الأعوس، فأضحك وأضحك! ولكن سرعان ما أطرح الكتاب جانباً، وأنطوي على نفسي أستجمع قواي المبعثرة وذهني المرتكز حيال أمر واحد متكتل كخيوط في الشوك

لسبب لا أذكره ترفعاً وكبرياء، وجدت نفسي في حومة الأزمة الجائحة تحيط بي الثائرة المجنونة من كل جانب، تسد علي المسالك

تعلقت بكل خيوط الفرج من أضراب ناجي وداود ومبارك وأمين في قصة سارة، أطبقت الأزمة على نفسي وألقتني في الأسر والعبودية! وإن من الناس يا صاحبي من يفقدون آخر مزية لهم إذا هم انعتقوا من عبوديتهم

تذكرت الخدعة التي أوقعك فيها أصحابك، ووسيلة (صيد السمك) التي حفزتك إلى السفر إلى المنصورة، فلقيت أنت فيها الوحدة والوحشة وانقباض الصدر فأخذت تصرخ وتئن! أما أنا فقد صفقت لها طرباً، فعمدت في التو إلى خداع نفسي، فركبت السيارة إلى المنصورة، وصدفت عمداً عن (الزيات) وكافورته، وألقيت بنفسي في وهاد الوحدة

حقاً إنه لأمر مروع يا مبارك أن يبقى الإنسان منفرداً في عتمة الليل عند شاطئ النيل الساجي لا يسمع إلا رشاش الأمواه تقطر من مجاذيف الفلك، مع من أقامه قاضياً على نفسه ومنتقما منها بالشريعة التي اشترعها، ولكني لقيت الراحة في الانفراد ليقين صادق مني بقول نيتشه القائل: (إن في المنفرد عواطف تطمح إلى القضاء عليه؛ فإن لم تنل منه نالت من نفسها وانتحرت)

لم أستسلم لهذه الأمنية بل صممت على الظفر بالعواطف والانتصار عليها

كدت أسقط يا صاحبي فريسة سمكة ليلية حاولت اصطيادي مستغلة وحدتي وانفرادي، والمنفرد كما تدري، يمد يده مسرعاً بلا وعي لمصافحة من يلتقي بطريقه، ولم يصدني عن مدها سوى خيال بدا كالشبح أمامي وهمس في أذني: (إن كثيراً من ساميات الأفكار أضراب شيطانتك تعمل عمل الأكرة المنتفخة فلا تكاد تتضخم حتى تضمر) وأردف قائلاً بصوته الأجش وقد شاع شيوع الروح في جوانب نفسي (أأنت عاشق أيها الأديب المنفرد؟ اعشق نفسك أولاً ثم احتقرها، فالأديب العاشق لا يبتدع إذا كان لم يبدأ باحتقار المحبوب!!)

غاب الشبح عن ناظري فلقيت نفسي أسير على غير هدى وبيدي ما يثقلها وهو كتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>