ويزداد في العادة انحراف اللهجة الاجتماعية عن أخواتها كلما كثرت الفوارق بين الطبقة الناطقة بها وبقية الطبقات، أو كانت حياة أهلها قائمة على مبدأ العزلة عن المجتمع أو على أساس الخروج على نظمه وقوانينه. ولذلك كانت في فرنسا لهجات الطبقات الدنيا من العمال واللهجات السرية لجماعات المتصوفين والرهبان، ولهجات المجرمين واللصوص ومن إليهم، من أكثر اللهجات انحرافاً عن الأصل الذي أنشعبت منه، وبعداً عن المستوى العامل لبقية اللهجات الاجتماعية الفرنسية
ولا تظل اللهجات الاجتماعية جامدة على حالة واحدة بل تسير في نفس السبيل الارتقائي الذي تسير فيه (اللهجات المحلية)؛ فيتسع نطاقها باتساع شئون الناطقين باتساع شئون الناطقين بها، ومبلغ نشاطهم واحتكاكهم بالأجانب وبأهل الطبقات الأخرى من مواطنيهم، وما يخترعونه من مصطلحات، ويتواضعون عليه من عبارات، ويقتبسونه عن اللغات الأجنبية من مفردات وأفكار، وتختلف أساليبها وطرق تركيبها باختلاف العصور وتطور الظروف الاجتماعية المحلية بالطبقات الناطقة بها؛ فلهجات العمال والمجرمين بفرنسا تختلف بعد الحرب العظمى أختلافاً بيناً عما كانت عليه قبل ذلك؛ وتختلف في القرن العشرين أختلافاً كبيراً عما كانت عليه مثلاً في القرنين الرابع عشر والخامس عشر. ولا أدل على ذلك من أن معظم القطع التي كتبها بتلك اللهجات في القرن الخامس عشر الشاعر الفرنسي فرنسوا فيلون لم يستطع بعد في العصر الحاضر حل جميع رموزها وفهم مدلولاتها
وتؤثر اللهجات الاجتماعية في لغة المحادثة العادية تأثيراً كبيراً فتستعير منها هذه اللغة كثيراً من التراكيب والمفردات، وبخاصة المفردات التي خصص مدلولها العام واصطلح على إطلاقها على أمور خاصة تتعلق بفن أو حرفة وما إلى ذلك. فلغة المحادثة العادية بباريس في العصر الحاضر قد دخل فيها عن هذا الطريق كثير من مفردات اللهجات الاجتماعية وبخاصة لهجات العمال والمجرمين
ولا تتميز في العادة اللهجات الاجتماعية بعضها من بعض تميزاً واضحاً في المدن الكبيرة حيث يتكاتف السكان، ويزدحم الناس، وتنشط الحركة الاقتصادية، وتتنوع الوظائف، وتتعدد المهن، ويشتد النزاع بين الطبقات كنيويورك ولندن وباريس وبرلين في العصر