ولكنه مع هذا قد يشكو ظلم الأرزاق ويرشح نفشه لمهام الدولة التي يظفر بها المجددون ولا يذوده عنها إلا غفلة الحظوظ. وأنه لمثل واحد من أمثلة خالدة قلما يخلوا منها زمن.
وما أكثر ما ذكرت من هذه الأمثلة وأنا أقرأ في الكتاب قصة الوزير والخادم!
خادم سمعه الملك يوماً يقول:(إن هذا العصر عصر ظالم، فأنا أعمل طول اليوم ثم لا أنقد إلا سبع روبيات في الشهر، والوزير الذي يركب السيارات ويضيع وقته في الكسل يقبض ألفين من الروبيات).
فأمتحنه الملك باستطلاع أمر مسافر قادم على بعد، فذهب مرة ليسأل عن أسم ذلك المسافر، وثانية ليسأل عن إقليمه، وثالثة ليسأل عن المكان الذي قدم منه، ورابعة ليسأل عن الوجهة التي يقصدها، وخامسة ليسأل عن المرحلة التي يقف فيها، وسادسة وسابعة وثامنة وتاسعة ليسأل عن غرضه وعمن يلقاه وعن موعد اللقاء إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا يذكرها إلا إذا أمليت عليه
ثم بعث بالوزير مستطلعاً فعاد بالخبر كله في لحظة قصيرة وأجمل ما علم في مقال وجيز. فاستدار الملك إلى خادمه وقال له:(أرأيت أن ما كلفك تسع رحلات مضنية وخمس ساعات قد كلف الوزير نصف ساعة ورحلة واحدة؟ لعلك تتعلم الآن لماذا تقبض سبع روبيات في الشهر ويقبض الوزير ألفين. . .)
ومن السهل أن يقال إن من الوزراء من يخطئ خطأ الخادم ومن الخدم من يصيب إصابة الوزير، ولكن الحقيقة الباقية بعد هذا أن من الناس من يعمل في رحلة واحدة ونصف ساعة ما يعمله غيره في تسع رحلات وخمس ساعات، وإن الظلم كل الظلم أن يتساوى هذا وذاك.
وقد أشتمل الكتاب على نيف ومائة قصة من هذا الطراز، ما أظنها أهملت مسألة عصرية أو خلت إحداها من عبرة سهلة عصية، وكلها زاد قراءة سائغ لمن درس تلك المسائل في مراجعها ولمن يكتفي منها بهذه الأشباه المخيلة والعبر الممثلة، وهم أكثر من الكفاية في بلادنا.