للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وارتعشت كما تفزع نفسه وترتعش. . . هم من لونه وهو من لونهم ولكنه أشدهم تميزاً في لونه، وأشدهم تمكناً من لونه وأشدهم انطباعاً على هذا اللون. . .

هم جمهوره. . .

فإذا جاء المغني إلى مكان الحفلة أو الموقعة، وتسلح بالخمر واستحضر شهوده، وواجه غريمه الحلو الذي ينتصر له الحاضرون جميعاً، والذي تجندت مع روحه أرواح المئات من المستمعين قاصدة تعزيزه، أو غير قاصدة وإنما تعززه بطبيعة الفضول المنساب منها إلى روح المغني يناوشه ويهاجمه ويقلقه. . .

إذا ما كان هذا استنجدت روح المغني بأرواح أفراد فرقته وهم جيشه، فما تلبث هذه الأرواح حتى تهب له ملبية، ولكنها قبل أن تبدأ الهجوم تستشير فيما بينها إن بالكلام وإن بالصمت عن موضع الضعف الذي يمكنها منه أن تبدأ الغزو فإذا لمست في الغريم ألماً وشجواً أرسلت إليه الحنين (سيكا) وإذا أحست منه استعصاء وصلابة رققته بالحجاز، حتى إذا ما اتفقت على مدخل روحه من أين هو، أرسل المغني وهو القائد أول رائد من رواده يناوش الغريم فإذا هي تقسيمات من الكمان أو القانون، هذه التقسيمات ليست إلا ومضات من الروح تعرض على السامعين وعلى رأسهم السامع المقصود بالذات، وهو كما علمنا من البدء معشوق للمغني بالفعل أو بالقوة، فبينه وبين المغني وأفراد جيشه وشهوده تلاؤم وتعارف مستكنان، وود متحفز للانطلاق، فإذا لم يقو على إطلاقه الرائد الأول بالكمان، استثاره الرائد الثاني بالقانون، فإذا لم يقو عليه هذا أيضاً نكثه الثالث بالعود، ثم كان البشرف كالنفير الذي ينفخ فيه نداء وتحفيزاً، ثم كان التوشيح كالمارش الذي يعزفه الجيش في أول الهجوم، ثم يبدأ المغني بعد ذلك يسدد طعناته طعنة في كل (ليل) يهتف بها، وفي كل (آهة) ولكل ليل معنى يتضمنه نغمها، ولكل آهة رجع مبثوث فيها، وليست هي أشكال صوتية صماء من المعنى والروح كهذه الآهات والليالي التي نسمعها اليوم فلا نعرف إن كان فيها فرح، أو كان فيها يأس، أو كان فيها رضا، أو كان فيها هم أو كان فيها غم

ويبدأ الهدف الحلو يضعف وينساق، ويبدأ المغني يعلو ويتمكن، ويجر الهدف الحلو وراءه تابعاً، ثم تابعاً وأفراد الفرقة والشهود يجذبون هم أيضاً الأتباع أفواجاً أفواجاً. . . حتى يشعر المغني بأنه لم يعد يتحرج ولم يعد يخجل من أن يكشف نفسه لأمة لا لفرد، فكل

<<  <  ج:
ص:  >  >>