للدكتور طه أسلوبان، أسلوب حين يُملي، وأسلوب حين ينظم؛ أما أسلوبه حين يُملي فلا يخلو من ركاكة واضطراب لأنه رهين بما في الإملاء من سرعة وإبطاء، كالذي يكتب لمجلة الثقافة من أسبوع إلى أسبوع.
أما أسلوبه حين ينظم - وله أبحاث ينظمها نظماً - فهو آية في السلاسة والعُذوبة والصفاء، ومن هذا الفن أسلوبه في كتاب الأيام، وهو بهذا الأسلوب من أقدر الناس على التصوير والتلوين، وله ألفاظ وتعابير هي العَجب العُجاب.
أما بعد فهذا طه حسين، كما صور نفسه، وكما صوره قلمي، فإن كان أساء إلى نفسه بعض الإساءة فقد أحسنت إليه كل الإحسان، بلا منّ عليه، لأنه من كتَّابنا ومفكرينا، ولأنه عانى من الصراحة بعض ما أعاني.
والمهم هو أن ينظر الطلبة إلى كتابه كما نظرت إليه، فما كان كتاب الأيام ألفاظاً ضُمَّ بعضها إلى بعض، وإنما هو جروح أضيفت إلى جروح، هو دماء تفجر بها قلبٌ حزين، هو لوعةٌ دامية لرجل طال شقاؤه بالوجود، منذ اليوم الأول لشهوده الوجود.
لقد أبكاني طه حسين وهو يقص بعض مآسي طفولته وصباه، أبكاني وأنا خَصمٌ لدود، فكيف يصنع إذا نفض هموم صدره إلى رجل يحمل بين جنبيه قلب الصديق الشفيق.