للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ييأس أخيراً فيقابل العناد بالعناد، ويقسم أن لن يسير الترام إلا إذا نزل ذلك الأفندي (المتشعبط). . . كل ذلك وصاحبنا لا يزداد إلا إصراراً واستكباراً!. . .

ويضج الراكبون، ويتقدم أحدهم بالرجاء في رفق إلى ذلك الظريف المتعلق بالترام فيرد عليه بقوله: (موش شغلك يا أفندي) وتجري على الألسن عبارات الاستنكار والتقريع والتوبيخ. . . وهو برغم ذلك مصر كأنه يجاهد في قضية من قضايا الأوطان فلا يعرف فيها معنى الهوان أو الخذلان!

ويأتي صعلوك حافي القدمين، حاسر الرأس، في يده عود ضخم من قصب السكر، كأنه مدفع لمطاردة طائرات العدو، وفي جلبابه آثار تمزيق، كأنه قادم لساعته من معركة، ويتعلق هو أيضاً بالترام، فلا يتمالك الناس أنفسهم أن يضحكوا، على الرغم ما كانوا يعانون من ضيق وغيظ!

ويحار الكمساري بين الصعلوك والأفندي، فقد أعلن أولهما أنه لن ينزل حتى ينزل الأفندي، وهو لا يدري أنه بذلك قد علق الأمر على المستحيل وأصبحت المصيبة مصيبتين؛ وراح يتساءل ذلك الصعلوك في حدة: لم يطلب إليه وحده النزول؟ أذلك لأنه (غلبان)؟ ويصرخ الكمساري في وجه الأفندي ضجراً، فيرد عليه أخيراً بقوله (أما مغفل صحيح) ويوقن الكمساري أن الحرب واقعة لا محالة فيرد عليه بقوله (إذا كنت أنا مغفل تبقى حضرتك دغف). . . ويكتفي الصعلوك بذلك فينزل معتذراً وقد كان كفيلاً أن يحطم رأس الكمساري بذلك (المترليوز) في يده لو دعت الحال إلى ذلك.

وينفد صبر المغفل فيجذب (الدغف) من كتفيه ويطول النزال ويعظم هول القتال ويتزاحم المتفرجون من السابلة ويتعطل الطريق ويضيع نصف الدرس وتنجلي المعركة أخيراً عن هزيمة (الدغف). . . ويمضي الترام وأنا أسأل نفسي أيهما المغفل حقاً وأيهما (الدغف) حقاً وأيهما الاثنان معا؟ ولكنى لا أحتاج إلى طويل فكر لأقول إن المغفل لم يفعل ما يستحق من أجله أن ينعت بهذا اللقب، وإن نعته به من جانب ذلك الأفندي المهذب لهو الغفلة بعينها؛ ثم أسأل نفسي كذلك أي الرجلين كان أفضل وأكبر في أعين الناس الصعلوك أم الأفندي؟ وأيهما إذا هو الصعلوك حقاً؟

أولى بنا والله أن نتساءل متى نتعلم النظام قبل أن نتساءل متى نظفر (بالاستقلال التام).

<<  <  ج:
ص:  >  >>