واستمر العمدة يسأل واستمر المتشرد يجيبه نفس الجواب ولما كاد صبر العمدة أن ينفذ طرق الباب طارق، ودخل طحان القرية وهو قصير هزيل ورفع قبعته في احترام وتنحنح قليلاً، ثم قال:(على شاطئ النهر بقرب الطاحون وجدت غريقين أظنهما انتحرا. . . إن شكلهما غريب وقد وجدت كلاً منهما مستلقياً على ظهره فوق الحشائش، ويد كل منهما في يد الآخر - يده اليمنى مشتبكة في يدها اليسرى. إنني لم أشهد بغير الحق).
بدت علائم الدهشة على العمدة ومد ذراعيه ونظر إلى كاتبه الذي نهض سريعاً، ورفع القلم الذي في أذنه واستعد لكتابة ما شهد به الطحان
وهنا صاح المتشرد بشكل يدل على الاهتمام:(هل هما ميتان؟) فضرب الطحان بيديه على ركبتيه وهو يضحك: (نعم ميتان بالطبع)
وأمر المعمدة المتشرد بلزوم مكانه ولزوم الصمت، وقال الطحان للعمدة:(لقد جئت لأخبرك لكي تأمر بنقل الجثتين من مزرعتي)
فقال العمدة وهو يلمس بأصابع يديه جانبي رأسه:(حسن! حسن! اذهب وسأتبعك لأعاين الجثتين)
ومشى الطحان وظل يعبث بأظافره في شعر رأسه ثم التفت إلى المتشرد وقال:(أنظر أيها الوغد الذي لا يصلح لشيء. هذه هي أعمال أصحابك المتشردين، إنهم يذهبون مع الشيطان في كل طريق ونحن الذين لا ذنب لنا نعاني نتائج شروركم)
ثم التفت إلى الكاتب وقال:(ما الذي تفعل؟ عندنا الآن متشرد حي ومتشردان ميتان، فما الذي نفعله بهم؟ لعنة الله على هؤلاء المتشردين)
فهز الكاتب رأسه وقال:(إن حياتهم معصية لله وخزي للناس، وهم حتى بعد الموت يضايقون خلق الله)
قال العمدة:(ولكن علينا عملا نعمله قبل كل شيء).
فقال الكاتب:(نعم يجب علينا أن نبلغ السلطات ثم ندفن الميتين على نفقة البلدية)
قال العمدة بلهجة التوكيد مناقضاً كاتبه ومستشاره:(كلا فإن أموال القرية لا تنفق على هؤلاء المتشردين الأفاقين. يجب أن نعرف من أين أتوا، ثم. . . ثم. . .)