وهذا الذي يقوله المؤلف في وصف كتابه، يدعونا إلى السؤال: من أين اختار ابن عبد ربه مختاراته؟ وما هي مصادره الأولى؟
انظر إليه تجده يروي عن الشيباني، والمدائني، والأصمعي، وأبي عبيدة، والعتبي، والشعبي، والسجستاني، والجاحظ، وابن قتيبة، والمبرد، والرياشي، والزيادي، وابن سلام، وابن الكلبي، وغيرهم من علماء المشارقة؛ وعن الخشني، وابن وضاح، وبقي بن مخلد، من علماء الأندلس؛ فأي هؤلاء لقي ابن عبد ربه فأخذ عنهم شفة إلى شفة، وأيهم نقل إليه من أخباره راوية عن رواية؟
لم يعرض أحد ممن ترجموا لابن عبد ربه - للحديث عن رحلة له إلى المشرق، إلا فروضاً نظرية استنبطها بعض المتأخرين لدلائل يستند إليها في كتاب (العقد) ولا نراها تصلح للاستدلال؛ فلم يبق إلا أن صاحب العقد قد روى من أخبار المشارقة ما نقل إليه حيث هو في مقامه من قرطبة، ولم يعبر البحر ولم يركب الصحراء؛ وقد كان من شيوخ ابن عبد ربه في الأندلس كما سنذكره بعد: الخشني، وبقي بن مخلد، وابن وضاح؛ وللأولين منهم رحلة إلى المشرق ورواية
على أن كثيراّ من كتب المشارقة وعلومهم كانت ذائعة بالأندلس لعهد ابن عبد ربه، وكان لها عند العلماء منزلة ومكان؛ فليس ثمة ما يمنع أن يكون ابن عبد ربه قد استعان كثيراً أو قليلاً بما كانت تضم المكتبة العربية في قرطبة من آثار المشارقة.