- أنا لم أبدأ بإطلاق النار، وإنما هم الذين بدءوا. . .
- هم. . .! من هم. . .؟ من الذي أطلق عليك النار. . .؟
- بصر بي بعض الفلاحين عندما نبح هذا الكلب الملعون وظنوني لصاً. . . وكنت على قيد أذرع من خبائها. . . فأطلقوا النار في الهواء. فغبت في جوف الظلام وأطلقت طلقتين معاً. . وجريت. . . وحلت لي هذه المطاردة وتصورت نفسي لصاً يبغي السرقة لا مخلوقاً دنيئاً يسطو على خباء امرأة في غلس الليل وتحت ستاره! وبادلت الفلاحين الطلقات السريعة. فظنوني عصابة كاملة من الأشقياء ثم راوغت تحت جناح الليل ووليت هارباً
- ما كان أحلاها قتلة. . .!
- أجل والله ما كان أحلاها قتلة. . . وما كان أطيب وقع النعي على نفسها. . .!
وقال عثمان وهو يبتسم ابتسامة عريضة وكان أشد رفاقنا بطشاً وأعظمهم قوة:
- أي مشقة يلقاها الرجل دائماً وهو في طريقه إلى الرذيلة ومع ذلك لا يزدجر. . .!
وصمت برهة ليشعل لفافة تبغ. . . والابتسامة لا تبارح وجهه القوي التعابير الدقيق الملامح. . . ثم أجاب على سؤاله بنفسه:
- لماذا؟ أجل لماذا؟ ألان ركوب الصعب من الأمور دائماً شائق، أم لأن الاستيلاء على ما في حوزة الناس فيه إمتاع ولذة؟ ماذا كان يحدث يا صاح لو رآك زوجها. . . أي موقف حرج. . . دفعت نفسك فيه. . . وأي مصيدة؟ أنا أعرف أن المرأة هي علة الشقاء الإنساني. . . كما أنها قد تكون علة هنائه أيضاً. . . ذكرتني أيها الأخ الشهم. . . بحادث كدت أن أنساه فما تحدثت به لإنسان؛ بيد أني أشعر برغبة قوية تدفعني إلى أن أقصه عليكم. . .
فسررنا وتوقعنا في حديث صاحبنا مغامرة ممتعة نتسلى بها حتى انبلاج الصبح
ونظرنا إليه في شوق ولهفة، وكان قد أطرق، ثم رفع وجهه وقد غامت عيناه قليلاً، ثم لانت ملامح وجهه. وأنشأ يقول بصوت واضح النبرات:
- كنت في التاسعة عشرة من عمري وفي أول دراستي العالية، وكان قد مضى عليً سبعة أعوام في القاهرة قضيت جانباّ منها مع بعض أقربائي، ومضيت الجانب الآخر مع بعض الأسر الفرنجية التي تنزل عن غرفة من سكنها للطلاب البعيدين عن أهليهم. . . وكنت