فالسماء رمز الأشياء التي لا تموت. هذه شمسها تعتلي قبتها العميقة كأنها هاوية لا قرار تنتهي إليه ولا جبال ولا أرض تضمها؛ هذه الشمس تشرق وتغرب على مناظر الطبيعة في شتى الفصول تثبت حرارتها في الأرض وما عليها. وهذا القمر حالم في تنقله وتطوره، وهذه النجوم تشع بريقاً كأنه خفق فؤاد مضطرم. . .
لله أحلام الإنسان وآماله التي تلتقي عند هذه النجوم! إنها محط أنظاره يسائلها عن ماضيه وحاضره، ويرى في بعضها مصدر تفاؤله وفي البعض الآخر مبعث تشاؤمه، بينما هي في أبراجها ساهمة تتابع سفرها الطويل اللانهائي لا تحير ولا تبدي، ولعلها لا تراه ولا يخطر لها ببال، ولا علاقة تربط بينها وبينه.
على أنها مصدر راحة وطمأنينة في سكونها الغريب. والسماء تتحدث إلى الإنسان بلغة عجيبة لا يستطيع التعبير بها أبلغ الألسنة. إن في سكوتها الرائع أعظم بلسم لشفاء القلوب. إنها قد تروع فكره حيناً، ولكنها - مهما اختلفت اعتقادات الناس بها - تظل غذاء للنفوس ببريق ألوانها وسطوع شموسها وأقمارها، وفكرة الاستقرار والسمو التي توحيهما إليهما
ما أجمل الحياة لو قضيناها محدقين في السماء!
يثير التحديق في السماء في نفس الإنسان فكرة أصله ومصيره. من أين أتى وإلى أين يذهب؟ هل الوجود والعدم سيان! وإذا كان مصدره لا يثير اهتمامه لأن الماضي قد فات، وهو في ذمة التاريخ، فما المستقبل؟ كيف يمهد له أسباب الطمأنينة والسعادة، وهما غايته التي ينشدها في وجوده، وهما قصده من مصيره، والمصير من عالم الغيب، ولكنه الرجاء يحدو الإنسان والآمال تبعث الشجاعة لقلبه ونفسه. والإنسان يقارن دائماً بين الماضي والمستقبل، متبرماً بالماضي منتظراً من المستقبل ما يعوض عليه ما فات. فكم سمعناه يقول:(لو كنت أدري. . .) و (إذا أتيح لي أن أعيش من جديد. . .)
أما الرجل الحكيم فهو الذي يعرف كيف يوفق بين الماضي والمستقبل، فكأنه يقضي حياته محاولاً استخلاص الحكمة مما يمر به من الحوادث، والحكمة كلمة كبيرة تدل على صفاء العقل والقلب. وما أحوج اليوم إلى مثل هذا الصفاء!
إذا نظر الإنسان إلى الحقائق الواقعية وجد أن الصبر من أدق مظاهر الحكمة، وله فوائد جمة تعود على صاحبه بالرضا. ومن فقده فقد خيرات وفيرة، لأن الزمان لا يحترم غير