للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(البرجوازية) بينما هي تحتقر مبادئها وتقاليدها. وتحاول الطبقة الوسطى التسامي إلى الأرستقراطية بينما تتناول وسائلها وترفها ومظاهرها بنقد شديد.

تنعت المرأة الرجل بالقوة وهي تعرف مكامن ضعفه، ويصف الرجل المرأة بالجمال وهو يرف أن في الرجولة جمالاً لا تقاربه الأنوثة. وهكذا أضفى كل واحد من نوعي البشر على صاحبه نعوتاً لا يعتقد بصحتها. وقد خلق كل واحد لصاحبه مزايا ثم اطمأن إليها. ولعل أبرع هذا الخلق وأجمله خلق الرجل للمرأة، فقد بنى لها عرشاً وأجلسها عليه إلهة يطالع في عينيها سعادته وغبطته. ويستنزل من جناتها نعمته ولذته. والغريب في هذا أنه صادق في عقيدته التي اختلقها، مغرور بكذبه الذي أجراه، وأن غبطته في أن يغتر بهما.

ولا غرو في ذلك فكثيراً ما يضحي الإنسان بسعادته في سبيل لذته، وتسهل عليه هذه التضحية إذا تعودها. إن طريق اللذة مفروش بالدمقس والحرير بحيث يستطيع السير عليه من وُلِد حافي القدمين كما يسير على العشب الناعم. أما السعادة فقد خلقت للصالحين من البشر، إما لأنهم يعتقدون بأنهم سعداء، أو لأنهم ينتظرون السعادة مطمئنين إلى نوالها.

فالسعادة مطمح النفوس الكبيرة، وكل نفس شريفة إذا كانت طموحة، لأن الطموح يتطلب قوة وتضحية، وهو في مجموعه دليل على كبرياء النفس، والكبرياء فضيلة إذا كانت سلاحاً من أسلحة النضال.

إن مظاهر الكذب التي ألممنا بها تجعلنا نستنتج أن كل الناس يمثلون دور المنفعة على مسرح الزمان، وأنهم في اطمئنانهم إلى ما يلعبونه يصبح الدور الذي يمثلونه أقرب إلى حقيقتهم من الأصل. لقد أصاب شكسبير كبد الحقيقة عندما تلهى بهؤلاء الأشباح وجعلهم يمثلون دور المجانين حتى صاروا في حقيقتهم مجانين.

إن الأشياء والبشر كافة يغالطون في هذا القمار العظيم الذي ندعوه الحياة.

القلب يغالط العقل، والعقل يغالط القلب. . .

يولد الطفل ممسكاً بيديه أوراق لعب كبيرة ثم يرميها في الحياة مغامراً بها فإما أن تنطلي حيلته فينعم بما ربح، وإما أن تنفضح فيشقى بما فقد.

وبعد، فقد تعودت كل طائفة من الناس النظر في شئونها عند نهاية السنة المقررة لها. فالزارع يجيل رأيه فيما زرع وحصد، والتاجر يوازي بين ما أشترى وما باع، والحكومة

<<  <  ج:
ص:  >  >>