للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مخدرة فانتفض رعباً وتمتم بصوت غير مسموع قائلاً: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم) ولكن شغفه تغلب على خوفه فتقدم بخفة كأنه يسير على حبل في ملعب ووضع أذنه على باب الحجرة فلم يسمع حركة ولا نامة فانحنى حتى استطاع أن ينظر إلى الداخل من خصاص الباب فرأى دخان البخور تتصاعد سحائبه في هدوء إلى سماء الغرفة، واستطاع أن يرى سريره بوضوح. . . رباه. . لم يكن خالياً. . . كانت فردوس تتربع عليه في ثوب أبيض ناصع البياض متلفعة بخمار أبيض كذلك كأنها على وشك صلاة، ورآها تضع على كفها رسالة مطوية تستغرق في النظر وتحرك شفتيها حركة منظمة كأنها تتلو آية؛ ولبث ينظر إليها في سكون ودهشة، وكان يجد قلقاً غريباً، ولكنه لم يشعر بغضب أو سخط بل جعل يراقبها أخيراً في شغف ثم رآها تثني حافة المرتبة وتضع ما بين يديها تحتها، ثم رآها تتمدد على ظهرها في هدوء وهي تظن أنها بمأمن من الرقباء وتسحب الوسادة وتضعها عليها بالطول، ثم احتضنتها بيديها وكأنما راحت في سبات عميق، وراقبها بعينين دهشتين وراح يتساءل أكل هذا من أجلي أنا؟!. . . أكل هذا لكي تتزوج مني أنا. . . واطمأن إلى المنظر الغريب ووجد في مراقبته لذة لا تعادلها لذة؛ وأحس تخديراً ود لو لم يصح منه أبداً. وتدفق الحنان من حناياه فتمنّى لو يحتويها في تلك اللحظة بين يديه. . .

ثم رآها تزيح الوسادة عنها وتعيدها إلى مكانها وتعتدل جالسة ثم تهبط إلى الأرض وتميل المبخرة لترفعها فتوقع أن تمضي بعد ذلك إلى الباب وانتبه إلى حاله، فسارع إلى الباب وفتحه وأغلقه بقوة متعمداً أن يحدث صوتاً مسموعاً واتجه نحو غرفته وهو يصفر صفيراً عالياً فانفتح باب غرفته وبرزت الفتاة وقد علا وجهها شحوب وارتباك وقالت باضطراب:

- عدت مبكراً. . . أنا كنت أنظم حجرتك وأبخر الشقة واتجهت نحو الباب مهرولة فاعترض سبيلها، وكانت عواطفه المضطربة تشجعه على الاستهانة فقال برقة:

- شكراً، لقد عدت لأني أحسست بتعب، وإني لآسف على إزعاجي لك. . . استريحي، ولكنها قالت بسرعة ولم تكن أفاقت بعد من ارتكابها.

- دعني أخرج وإلا استبطأنني أمي

فقال لها برجاء وهو يشير إلى الكرسي:

<<  <  ج:
ص:  >  >>