والقرآن الكريم يحث على هذا الخلق الكريم ويهذي الناس إلى هذه الخلة التي تلقي جهل الجاهل بحلم العفو، وشر المسيء بخير المحسن.
سمى الله تعالى نفسه العفوّ، قال: فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوَّا غفورا؛ وفي آية أخرى: وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون؛ وقال أيضاً: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير؛ وقال: إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء، فإن الله كان عفوَّا قديرا.
وقد أمر الله سبحانه الناس بالعفو فقال للرسول صلوات الله عليه: خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين؛ ويقول: فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفظوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر. ونهى أن يعاقب المسيء بحرمانه من الصدقة والبر فقال: ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ والله غفور رحيم.
وأجاز القرآن المجازاة بالعدل ولكن جعل العفو أقرب للخير فقال:(وأن تعفو أقرب للتقوى.) كما قال في وصف المؤمنين: (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون، وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين. ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم. ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور.)
وقد أشاد القرآن بالعافين عن الناس، وبين عظم جزائهم في قوله:(وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين).
وكانت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم عملاً بأمر القرآن وتأدباً بآدابه. قال رسول الله:(أمرني ربي أن أصل من قطعني وأعفو عمن ظلمني.)
فانظر إليه يوم فتح مكة والجزيرة العربية في سلطانه، وصناديد قريش طوع أمره، وقد لقي ما لقي منهم أكثر من عشرين عاماً وفي كل بقعة من مكة والمدينة ذكرى ما لقي من ظلم وعدوان وأذى، وفي كل جماعة من قريش رجال قد قسوا عليه وعلى أصحابه ونالوا منه