للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الآنسة التي تتجه بنظرها إلى الفضاء الممتد خارج القطار!

وأيقن أربعتهم أنها لا تعرف العربية. فانطلقت ألسنتهم بألوان من القحة، عجبت ولن أزال في عجب، أن لم يبد على وجه أحدهم أي قدر من الخجل لتلك الألفاظ التي أخجل الآن لمجرد أن أتذكرها! ثم ذهب كل منهم يتظرف بما وسعته سماجته، فهذا يأتي بضروب من النكات لا يسيغها إلا ذوقه وذوق أصحابه، وذلك يداعب خاتمه الماسي وساعته الذهبية، وآخر يخرج حافظة نقوده فيقلب الأوراق المالية ثم يردها إلى جيبه، هذا فضلاً عما تنافسوا في سرده من المغامرات التي صرف فيها ما صرف من الأموال وكلها بالضرورة من نسج الخيال - كل أولئك و (محمد أفندي) في شغل عن ظرفهم ولطف حديثهم بالنظر إلى فضاء الأرض

ولما أفرغوا ما في جعبتهم من بارد النكات وسخيف الحكايات انتظرت أن يتطرق إليهم اليأس أو يمسهم شيء من برودة الموقف فيخجلون؛ ولكنهم انتقلوا إلى ما هو أدهى وأمر مما كانوا فيه فراحوا يصفون في طريقة بهيمية جمال تلك الآنسة التي لم يبد على قسماتها إلا ما يبدو على قسمات تمثال من التماثيل من الثبات على حال واحدة، ثم شاءت لهم دماثتهم أن يجعلوها موضعاً لنكاتهم فهي ابنة بائع إسفنج في الريف أو هي لا تكلف أكثر من نصف ريال يدفع لحزيمي إلى غير ذلك مما أمسك القلم عن ذكره من عبارات هؤلاء الظرفاء المهذبين!

ودنا القطار أخيراً من إحدى المدن فنهضت الفتاة لتنزل ومدت يدها إلى الرف لتأخذ حقيبة فتقدم أحد هؤلاء الظرفاء وأنزلها لها فتناولتها وهي تقول له في عبارة فصيحة: (أشكرك جداً يا أفندي) ثم خرجت من الديوان

ونظرت إلى وجوههم وحمرة الخجل تلهب وجنتي، وأشهد لقد شاعت تلك الوجوه الصفيقة شيء من هذه الحمرة ولكن لعل ذلك مرجعه إلى وجودي، ولعلهم لو كانوا وحدهم لأجابوها بضحكة من ضحكاتهم أو بنكتة من ظريف نكاتهم.

الخفيف

<<  <  ج:
ص:  >  >>