وكذلك من أطلع مثلهما فيما عمله بديوان الحماسة. وقلت: وإنه لتأصل هذا الخلق فيه كان شديد التحامل على المبرد والتشهير به فيما يظن أن المبرد أخطأ فيه؛ ثم قلت: وكم كنا نتمنى للشيخ المرصفي أن يجرد علمه من غروره، ويسبل على تأليفه ثوباً ضافياً من التواضع والاعتدال، حتى يكون ذلك أبين لفضله وأدل على نبله.
وأخيراً قلت: ولا يبعد أن تكون البيئة العلمية التي عاش فيها المبرد قد تقولت عليه ما تقولت حسداً وبغياً، فإن علماء عهده ما كانوا يعهدون من علمائهم إمامة في اللغة إلا في ناحية واحدة منها، كناحية قواعدها، أو ناحية مفرداتها، أو ناحية آدابها، ولكن المبرد كان إماماً ذا آراء في هذه النواحي الثلاث جميعاً، فهم بما كانوا يتقولون عليه إنما يريدون انتقاصه شفاء لما دب في صدورهم عليه من حقد وحسد.
ولقد خفت أن يهجس في نفوس السامعين تنزيه قلوب هؤلاء العلماء من رذيلة الحسد فأتبعت ما سبق بقولي لحضراتهم: ولا تستبعدون الحسد على العلماء، فإن من طبيعته أن تكون أقرب إلى الأدنين منه إلى الأباعد، وأسرع إلى قلوب العلماء منه إلى قلوب الجهال، وإذا ما شئتم مزيداً في معرفة هذه الطبيعة - طبيعة الحسد - فاقرءوا رسالة الجاحظ فيه، وهي اكثر من اثنتي عشرة صفحة.
ذلك ما قررته في إجابتي عن السؤال الأخير، بعد الذي قررته في الإجابة عن الثلاثة قبله. وما كان أشده عجباً وأبعده غرابة أن تطوى صحيفة الإجابات الثلاث وقد سلخت فيها نحو الساعة، تم تشوه هذه الإجابة الأخيرة تشويهاً يمسخها مسخاً، وإذا أنا أمام الواصل إلى منها كالذي يستمع إلى الآية (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة) دون ذكر هذه الجملة الحالية بعدها (وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فقد كان هذا الواصل أنني وصفت الشيخ المرصفي (بكثير من الأخلاق الذميمة كالغل والحقد والحسد والسطحية البحث والتطاول الذميم) وأنني تعديت ذلك إلى (تجريح طوائف العلماء على اختلاف مهنهم وحكمت بأن طباع الحسد والحقد لا تجد لها مراحاً خصيباً كالذي تجد من قلوب العلماء)
وا رحمتا للأخبار من رواتها! فما كان مني عن الشيخ المرصفي علم الله إلا أسفي على ما خالط مؤلفاته من غرور وادعاء وتطاول على المبرد في أسلوب غير حميد؛ وما زلت معتقداً هذا رضى الدكتور أم سخط، وواثقاً أن كثيراً من أهل العصر يعلمونه علمي،