ليزهي ويتعاظم في القرية ويريق ماء وجهه عند أولى المناصب من يعرف منهم ومن يعرف منهم ومن لا يعرف ليصعر خده لطالبي الرزق وذلك عنده من أعظم لذات حياته.
وإذا جلس أحب أن يلتف حوله طالبو جاهه وفضله وتراه؛ يعجب أشد العجب إن صغرت الحلقة من حوله، فهو يعتبر نفسه كبيراً عظيماً ومن حقه أن يلتف حوله الناس كما يلتفون حول أقرانه من العظماء، وما كان في حلقته إلا من يضمر له السخرية حين يريه الاحترام.
وتراه يلوك بعض كلمات إفرنجية تعد على أصابع اليد فيحرك بها لسانه في لهجة محطمة أكثر تحطماً من سيارته، لهجة أشبه بلهجة الأوربي الذي ينطق كلمات عربية لم تطرق سمعه إلا منذ شهر، وأرى شأنه في هذا كشأنه في استبدال ملابسه العربية بحلة إفرنجية.
أما مكانته عند من يزعم من الكبراء فقصاراه في هذا السبيل ألا تفلته فرصة إذا رأى أحد هؤلاء أو بعضهم في أي مكان فيتقدم إليهم محيياً متهللاً يهز الأيدي التي تمتد في فتور إليه هزاً حماسياً قوياً وهو يقول:(أهلاً فلان بك. . . كيف حال سعادة البك). ولا ينصرف إلا بعد أن يكرر تحياته وإن هموا هم بالانصراف دون أن ينظروا إليه لأنهم لا يعرفونه! وهي بعد مقدرة على أي حال أميل إلى أن أسميها (فن الحياة) ففي الناس من لا يستطيع أن يسلم على من يعرف حق المعرفة ممن هم أكبر منه!
رأيته ذات يوم يطلع المحيطين به على البطاقات الكثيرة التي جاءته في العيد، وقد مهد لذلك بذكر ما شاء له زعمه ممن يعرف من (الباشوات والبكوات). وكانت البطاقات كلها مرسلة إليه حقاً وفيها من هذه الألقاب حقاً؛ ولكن لم أر على واحدة منها غير كلمة (للشكر) فحسب!
وآخر مرة رأيته فيها كان محنقاً فقد حياه أحد الريفيين بقوله يا شيخ فلان، وهذا هو اللقب الذي يجري على ألسنة البسطاء من أهل الريف إذا أرادوا التعظيم، وعجبت لم يغضب وهو شيخ في نشأته العلمية قبل كل شيء وكان أولى به أن يجعل هذا اللقب مدعاة فخره، ولكن هيهات أن يرضى حتى بالأفندي وهو عند نفسه سعادة البك!