وجاء في القرآن الكريم:(فقاتلوا في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحرض المؤمنين، عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأساً وأشد تنكيلاً)
وحدث فعلاً أن المسلمين فتحوا بلاداً غير بلاد العرب ولم يفتحوها ولم يكن يتأتى لهم فتحها بغير السلاح
لكن هذه الفتوح لم يتم شيء منها قبل استقرار الدولة للإسلام، فلا يمكن أن يقال إنها كانت هي وسيلة الإسلام للظهور وقد ظهر الإسلام قبلها وتمكن في أرضه واجتمعت له جنود تؤمن به وتقدم على الموت في سبيله
ثم إن هذه الفتوح كانت تفرضها سلامة الدولة إن لم تفرضها الدعوة إلى دينها
فلو قدرنا أن الخليفة المسلم لم يكن صاحب دين ينشره ويدعو إليه لوجب في ذلك العهد أن يأمن على بلاده من الفوضى التي شاعت في أرض فارس وفي أرض الروم، ووجب أن يكف الشر الذي يوشك أن ينقض عليه من كلتيهما، وأن يمنع عدوى الفساد أن تسرها منهما إلى حماه
هذا إلى أن الإسلام قد أجاز للأمم أن تبقى على دينها مع أداء الجزية والطاعة للحكومة القائمة، وهو أهون ما يطلبه غالب من مغلوب
(والحقيقة السادسة) أن المقابلة بين ما كانت عليه شعوب العالم يومئذ قبل إسلامها وبعد إسلامها تدل على أن جانب الإسلام هو جانب الإقناع لمن أراد الإقناع
فقد أستقر السلام بين تلك الشعوب ولم يكن له قرار، وانتظمت بينها العلاقات ولم يكن بينها العلاقات ولم يكن لها نظام، واطمأن الناس على أرواحهم وأرزاقهم وأعراضهم وكانت جميعا مباحة لكل غاصب من ذوي الأمر والجاه
فإذا قيل أن المدعوين إلى الإسلام لم يقتنعوا بفضله سابقين، فلا ينفي هذا القول أنهم أقنعوا به متأخرين، وإن الإسلام مقنع لمن يختار ويحسن الاختيار إلى جانب قدرته على إكراه من يركب رأسه ويقف في طريق الإصلاح
ومن نظر إلى الإقناع العقلي تساوى لديه ما يستميلك إلى العقيدة بتوزيع الدواء والطعام، ومن يستميلك إليها بالخوف من الحاكم على فرض أن خوف الحاكم كان ذريعة من ذرائع نشر الإسلام