وإذ ذاك نهض صاحب الديوان فمد إليه يده يسلم عليه أو يصرفه على الأصح وهو يقول مبتسماً:(يا أخي إن من يعرف هؤلاء لا حاجة به إلى أمثالنا). . . ولم يجد التعاظم بداً من الخروج؛ ونظرت إليه وهو يهز اليد التي امتدت متراخية إليه هزاً قويَّاً حماسياً، فلم أر في وجهه شيئاً من خجل أو اضطراب!. . .
ونظر إلى صاحب الديوان وهو يتنفس الصعداء الطويلة قائلاً وقد رأى في وجهي الاستفهام:(تا لله يا أخي ما أذكر أني رأيته من قبل ولم أعرف اسمه ولا وظيفته إلا من بطاقته)!
وانصرفت من لدن صاحب الديوان فمررت بذلك المتعاظم وقد وقف في ردهة من ردهات الديوان يحيط به بعض الريفيين وسمعته يقول لأحدهم:(خلاص يا مصطفى مسألتك انتهت وستعين قريباً. . . أما أنت يا حسن فأنا ذاهب إلى سعادة الوكيل من أجلك الآن. . . وأنت يا عليّ فكرني بكرة. . . فين عبد السميع؟ موضوعك ينتهي قريباً إن شاء الله، اطمئن. . .)
ومضى المتعاظم الصغير مرفوع الرأس شامخ الأنف يسراه في جيب سرواله ويمناه يلوح بها مسلما على من يعرف ومن لا يعرف ممن يمر بهم من صغار أصحاب الديوان وكثيراً ما كان يكتفي بإيماءة من رأسه العالي أو ابتسامة من ابتساماته العذبة وإن لم يفطن إليه بعض من كان يجود عليهم بهذه التحيات أو كان يحسبها بعضهم موجهة إلى غيرهم لأنهم يجهلون صاحبها، وفي نفسه أنه علم يشار إليه أينما سار؛ وكان كما زعم متجهاً للقاء سعادة الوكيل وإن كنت لأعلم حق العلم أنه لا يعرف عن سعادة الوكيل إلا اسمه وموضع حجرته من حجرات الديوان