وخيل لمازبا أن الدهر قد مالأه وأن كل شيء في الوجود يبسم له حين دعاه الخادم للمثول بين يدي الأميرة، وكان يذرع الأبهاء لا تأخذ عينه تحفة، ولا يستوقف نظره أثاث. . . كان كل شيء يبدو في عينيه طبيعياً كأن له به عهداً. ولما أشار الخادم إلى غرفة الأميرة شحب لون الصبي قليلاً ولكنه واصل السير، وقالت له الأميرة: أخلت رقعة الأرض من مكان يأويك فجئت تصوِّب إليَّ في كل حين نظرة المتحين للشر؟
- شر. . . إني لا أحب الشر ومع ذاك فأنا. . . ومن أنا حتى أملك للأميرة شراً؟
وسمعت الأميرة ضجة خارج غرفتها فسألت الخادم عنها فقال:
- إنهن أتراب مولاتي أتين للسمر. فقالت: دعهن يدخلن
وحينما دخلن على الأميرة شدهن وفغرن أفواهن وصاحت إحداهن: يا لمعجزة الحب. . . لقد وصل العاشق الشريد إلى مخدع الأميرة. وقالت أخرى:
- بالله لنتركهما يتناجيان فنسمع نجواهما. . . يا للمنظر الفريد والحدث الفذ
وعلت قهقهتن والأميرة تنظر ولا تدرك شيئاً من حديثهن ثم قالت: إنه مازبا يا رفيقات. يبدو أنكن تعرفنه فصحن جميعاً:
- وهل في المدينة من لا يعرفه؟
فقالت الأميرة: لقد كان يرسل إليَّ كلما مررت به نظرة أفاق فأوجست منه شراً. فقلن:
- كيف! ألا تفرقين بين النظرات؟
وأمرت الأميرة خادمها أن يطعمه ويكسوه وأضافت:
- ولكنك يا مازبا ستقيم بعيداً عن القصر فلا تعد إلى مكانك منه مرة أخرى
فقال الصبي بالله يا مولاتي. . . دعيني. . . لا أريد طعاماً ولا رداء، ولا تحولي بيني وبين مكاني فما في الأرض مكان إليّ منه، وما وجودي به بضارك شيئاً
فرقت له نفس الأميرة وقالت: لك ذلك يا مازبا
وحينما هم بالسير قالت إحدى رفيقاتها:
- مسكين! لقد شفه الهوى وأضناه الحب.
- ودهشت الأميرة ونادته ثانية وقالت:
- أسمعت يا مازبا. . . إنهن يقلن إنك عاشق مدنف. . . فمن ترى تلك السعيدة التي سلبتك