للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والحديث. ولو ذهبتَ تستقري عوامل الشقاق والانشقاق بين العرب في جميع الأطوار والأقطار لما عدوت ما رُكب في طباعنا من حب الظهور، ورغبة التفرد، ورذيلة الحسد

إذا جاء الأمة خير لا نصيب لي منه ولا سلطان لي عليه، جعلته شراً يستعان على درئه ببدع تتسم بسمة الدين، وخدع تتستر بستار الوطن. وإذا نهضت في الأمة جماعة للإصلاح ولم يكن لي موضع الرياسة فيها ولا مرجع الفائدة منها، أشعتُ حولها الرَيب، وأطرْت فوقها الظنون، حتى يستوحش من ناحيتها الناس فتفشل

تنازع زعيمان عظيمان من زعمائنا على الرياسة أو ما يشبه الرياسة، فقسما الأمة بنزاعهما قسمين متعارضين لكل منهما آراؤه وحججه ومبرراته؛ وكاد يدخل على الناس أن هناك مذهبين في سياسة البلد: أحدهما يصل والآخر ينقطع! وكان مبعث الأمر كله عصبية الرأي وشهوة الرياسة.

واجتمع أعضاء مجلس الإدارة لجمعية المعلمين في بغداد يوم أُنشئت لينتخبوا من بينهم رئيساً فلم يفز أحد من الثلاثة عشر عضواً إلا بصوت واحد! ذلك لأن كل عضو منهم أراد أن يكون الرئيس فانتخب نفسه!

أحزابنا السياسية وجماعاتنا الدينية أسماء وأزياء لا تجد وراءها مسمى يتميز من مسمى، ولا جسماً يختلف عن جسم. وإن طالب الثقافة ليستطيع أن يذكر لك في يسر ووضوح جملة الفروق في الوسائل والغايات بين اليسوعية والماسونية والشيوعية والنازية والفاشية، أو بين حزب وحزب من الأحزاب البرلمانية في جميع البلاد الدستورية؛ ولكني أتحدى أستاذ الجامعة أن يذكر لي فرقاً أو شبه فرق بين الوفديين والسعديين والدستوريين والمستقلين والوطنيين والشعبيين والاتحاديين، أو بين الشبان المسلمين، والإخوان المسلمين، والأخوة الإسلامية، والهداية الإسلامية، وشباب الإسلام، ومجد الإسلام، ومن لا علم لي به من هذه الجماعات. ولئن سألتهم ماذا يمنعهم أن يضموا الشتات ويوحدوا الكلمة ويحددوا الغاية ما داموا اخوة في الوطن أو في الله، ليقولنَّ كل حزب منهم: ما يمنعنا إلا أن يكون لغيرنا زعامة الأمة ورياسة الحكومة. ولو سمحت العصبية الآثمة أن يكون للمتحزبين غاية غير هاتين لأمكن الوفاق وسلمت الوحدة؛ ولكن العصبية هي داؤنا الموروث لا يحسمه عنا إلا طِبابُة الذي عالجه به الله ورسوله: محو الفروق بالحرية

<<  <  ج:
ص:  >  >>