للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه بمكافحة الجهل والمرض؛ وذلك هو مشروع الزعيم الاجتماعي علي ماهر باشا، سماه (يوم الفقير) وجعله يتجدد في تاريخ بعد تاريخ، ويتحدد في إقليم بعد إقليم، ليكون مظهراً جميلاً لأريحية النفوس المؤمنة المحسنة، تتعاون فيه على الخير، وتتنافس في المعروف، وتقيم ركن الإسلام الخامس

حدثني صاب المقام الرفيع عن سياسته الاجتماعية وما يتذرع لها باليوم الثامن والعشرين من هذا الشهر وما يتلوه من أيام أُخر؛ فسمعت لأول مرة كلاماً له معناه، ومنهاجاً له غايته. وكان الأخلق بمن سمع كثيراً من القول، ورأى قليلاً من الفعل، ألا ببالغ في الثقة ولا يسرف في الأمل، لولا أن صاحب الفكرة وممضيها علي ماهر باشا، وهو رجل لم يجرب عليه الناس لغواً في كلام ولا عبثاً في فعل. والحق أن الفقير يستطيع منذ اليوم أن يأوي إلى ركن شديد من عطف المليك ورعاية الحكومة ومعونة الشعب. ولعل مقاومة الحفاء ويوم الفقير هما المحاولتان الجديتان لمحاربة البؤس ومعاونة البائس؛ لأن المشروع الأول يعتمد على إرادة كريمة، والمشروع الآخر يستند إلى إدارة حكيمة. وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية عسية أن تكفي المصلحين هذا الأمر لو أنها انتفعت بما توخاه لها الكتاب من مناهج الرشد؛ ولكنها حصرت معونتها للفلاح في إقامة الموالد لتفريج الهم عنه، وتحرير (المجلة) لمعالجة الأمية فيه! وعسى أن تكون قد بلغت من ذينك مبلغاً يعوض عليها ما تبذل من مال وما تنفق من جهد!

لقد قطعنا سنة من عمر الرسالة في تذكير المترفين بأن لهم أخوة من خلق الله يأكلون ما تعلف الكلاب من المآكل، وينامون مع الحيوان في المزابل، ويقاسون من الأدواء ما لا يقاسيه حي في غير مصر؛ فلم يؤثر فيهم ما كتبناه إلا كما تؤثر النسمات اللينة في الصخر الأصم. ذلك لأن حق الله في أموالهم قد وكل أداؤه إلى ضمائرهم؛ والضمائر قد نامت على هدهدة الشهوات، والعواطف قد قست على جفاف المادة؛ وبين غفوة الضمائر وقسوة العواطف ذهب وازع الدين ولم يبق إلا وازع السلطان؛ لذلك لا ينتظر ليوم الفقير ما ينتظر لمقاومة الحفاء من الفوز، لأن الدافع هناك رهبة الحكومة أو رغبة (الرتبة)؛ أما الدافع هنا فعاطفة البر وهي في أكثر النفوس رسم دارس بين الجشع والأثرة!

يا أغنياءنا، لقد جربتم بذل المال في اللهو، وقتل العمر في العبث، وفقد الصحة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>