وقد اهتم الأدب المصري بوصف البلاد العربية ولكن بأقل مما اهتم الأدب العراقي، وإن كانت قصائد شوقي في وصف مرابع سورية ولبنان سارت مسير الأمثال
ونقيد (ثالثاً) أن الإخوانيات لا تزال مرموقة المكان عند أدباء العراق؛ فهم يتراسلون بالرسائل والقصائد على نحو ما كان يتراسل أسلافهم القدماء
وقد انقرض هذا النوع من الأدب المصري أو كاد، فما عدنا نسمع برسالة كرسالة حفني ناصف إلى توفيق البكري، أو قصيدة كقصيدة المازني في مداعبة العقاد
ونقيد (رابعاً) أن الهجاء لا يزال من الفنون الأدبية في العراق، وإن كان لا ينشر في الجرائد ولا يسجل في المطبوعات؛ وهذا الفن لم يبق له في مصر مجال، وإن كان تهاجى الصحف الحزبية في مصر قد وصل إلى أبعد الآفاق في الغمز والتجريح!
ونقيد (خامساً) أن أشعار المجون لها بقايا في العراق، وهي أشعار تغلب عليها لطافة الدعابة وخفة الروح، وهذا الفن قد انعدم في مصر بموت (الحاج) محمود الهراوي؛ وإنما قلت (الحاج) لأمطر قبره بفكاهة ينتعش بها ثراه، فقد نظم الهراوي قصائد مجونية تفوق مجونيات أبي نؤاس، إن جاز القول بأن الدنيا عرفت ماجناً يفوق أبا نؤاس، إلا أن يكون الماجن هو الهراوي، وكان رحمة الله غاية في التقى والعفاف، ولم ينظم أشعار المجون إلا حباً في تزويد الأدب بمختلف الألوان
ثم نقيد أن للأدب العراقي خصيصة تفوق تلك الخصائص وهي إمعانه في الصدق، فهو صورة لما يعاني العراق من خطوب وما يطمح إليه من آمال، ولو عصر الروح العراقي كما يعصر الورد لكان عصيره دموعاً تشتهيها الحمامة الموصلية يوم فراق الأليف
أما بعد، فهذا تمهيد للكلام عن الأدب العراقي، وهو تمهيد أردنا به تحديد المرحلة التي قطعها العراق ليصل إلى ما وصل إليه من إعزاز اللغة العربية، وأردنا به النص على روافد الأدب وخصائص الأدب في ذلك القطر الشقيق
ومن المحتمل أن يكون في الأحكام التي سقناها في هذا التمهيد ظل من الخطأ الطفيف، ولكنها في الجملة تستند إلى قواعد سليمة من آفات الميل والانحراف. فما الذي سنصنع بعد هذا التمهيد؟
سنتحدث عن الأدب الحديث في العراق بالتفصيل، وبأسلوب يقربه إلى أذهان القراء كل