للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحق، ونفور من العدل؟ هل كب الناس في جهنم إلا ما استعر في قلوبهم من الضغينة، وثار في رؤوسهم من الهوى؟ وهل يعرف التاريخ كمحمد رسولاً جاء بالشرع الجامع، والأخوة العامة، والعدل الشامل؟ هل يعرف التاريخ كمحمد هادياً ألف بين منازع النفس على قانون من العفة والعدل، وألف بين الإنسان والإنسان على شريعة من المودة والأخوة، وألف بين الأمة والأمة على منهاج من الحق والبر والعمل الصالح لخير الناس أجمعين؟ من رفع للناس لواء الأخوة لا يفرق بين الأبيض والأسود، ولا يميز بين المشرق والمغرب؟: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله اتقاكم). من دعا الناس جميعاً إلى التنافس في الخير على اختلاف أديانهم ونحلهم وأنزل عليه: (ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إن الله على كل شيء قدير). (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً، ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعلمون)

أين أنتم من هذه الأخوة الجامعة يا ضلال البشر؟ أين أنتم من دعوة الخير العامة يا دعاة الشر؟ أين أنتم من هذه الرحمة يا قساة القلوب؟ أين أنتم من هذا الصلاح يا فساد الشعوب؟

المسلمون أحق باللوم وأجدر بالتعنيف. فهم أهل هذا الدين وأولى الناس بهديه، وهم هم خذلوه وهجروه، وحفظوا ظاهره وضيعوه. (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) فإن ترهم اليوم في فرقة وشقاق فبما ضيعوا أخوة الإسلام، وإن ترهم في مذلة وهوان فبما فرطوا في عزة الإسلام، وإن ترهم أتباعاً فقد علمهم الإسلام مشرعة السيادة فنبذوها، وأعطاهم أزمة القيادة فأضاعوها

أيها المسلمون، هذه ذكرى نبيكم، وميلاد تاريخكم، ومبدأ مجدكم، ومنشأ سعادتكم؛ فإن شئتم لأنفسكم السيادة والسعادة فكونوا أهلاً لهذا الشرف. كونوا بأخلاقكم وأعمالكم جديرين بأن تسموا أمة محمد. ولا تتخذوا الانتساب إلى محمد هزواً ولعباً، وتحسبوا الإسلام أسماء وأقوالاً، فإنما هو الأخلاق والأفعال والجهاد الذي لا يفتر، فمن شاء أن ينتسب إلى محمد فهذه سنته، ومن شاء مجد محمد فهذه طريقته

(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيرا).

<<  <  ج:
ص:  >  >>