قرأت كلمة الزميل الفاضل الأستاذ الدكتور محمد البهي بعدد الرسالة رقم ٤٠٦، وفيه أراد كما يقول أن يضع أمام القارئ مادة للإجابة عما إذا كان من مصلحة الدين (أن يُفلسف بأن تشرح حقائقه بآراء الفلاسفة؟) وهذا موضوع للرأي فيه مجال كبير ليس من همي الآن الأخذ بنصيب فيه، ولكن وقفني عند قراءته ما ذهب إليه السيد الأستاذ من أن العقل الإسلامي جعل شعاره وهو يعالج ما أثارته الفلسفة الإغريقية من مسائل أنه (إذ انتظمت الفلسفة اليونانية والشريعة العربية فقد حصل الكمال) لأن الحكمة ليست إلا مولدة الديانة وإن هذه ليست إلا متممة لتلك كما جاء في مقابسات التوحيدي، رأيت في هذا الرأي وما تقدم به حضرة الأخ الكاتب لتأييده من سند ما يستوجب هذا التعليق القصير
١ - القارئ لهذين النقلين قد يظن انهما جميعاً لأبي حيان التوحيدي نفسه، والواقع غير هذا؛ فالأول الخاص بانتظام الفلسفة اليونانية والشريعة ساقه التوحيدي في أثناء عرضه لرأي أخوان الصفاء، وطريقتهم في الفلسفة، والثاني الخاص بأن الحكمة مولدة الديانة الخ من كلام أبي سليمان السجستاني محمد بن بهرام شيخ أبي حيان، وليس من كلام التوحيدي نفسه، وكل هذا يظهر بالرجوع لصفحة ٤٦ وصفحتي ١٩٩، ٢٠٠ من المقايسات
٢ - من الحق أن فلاسفة الإسلام عنوا فيما عنوا به بفلسفة الدين والتوفيق بينه وبين الفلسفة لعوامل عدة، منها أن الحكمة - كما يقول ابن رشد في فصل المقال - هي صاحية الشريعة والأخت الرضيعة، وهم في هذا مسبوقون بمحاولات اليهود والمسيحيين في هذه السبيل. ولكن لا أرى من الحق أن هذا كان شعار مفكري الإسلام جميعاً. هناك كثيرون من مفكري الإسلام لم يكونوا يرون هذا الرأي، ولم يكونوا يذهبون إلى فلسفة الدين بشرح حقائقه بالفلسفة، وأعني بهم المفكرين غير الفلاسفة من متكلمين وغير متكلمين. ولعل من أقوى الأدلة لهذا ما ساقه التوحيدي ذاته في أثناء كلامه عن إخوان الصفاء من أن شيخه أبا سليمان السجستاني صرح في كلام له كثير بعد أن قرأ جملة من رسائل إخوان الصفاء ووقف على قصدهم، ومنه التوفيق بين الدين والفلسفة، من أنهم (تعبوا وما أغنوا، ونصبوا وما أجدوا، وحاموا وما وردوا. . . لأنه أين الآن الدين من الفلسفة؟ وأين الشيء المأخوذ من الوحي النازل من الشيء المأخوذ بالرأي الزائل)؟
بعد هذا أظن أن الأمر أوضح من أن نطيل فيه الكلام ويكفي هذه الكلمة التي لم اقصد بها