للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبادر المنصور قوله: غير أنك قد استفدت منه!

فاضطرب سعيد وقال: قد كان له جاه وجهه في عرض تجارتي، وله رأى رآني به في بعض أمري، وإني لأعجب من جاه لا مال معه! ومن لسان لا يد له!

قال المنصور: أتنكر مروءته؟

قال سعيد: لا، ولكني وددت لو كان غنياً لم تدركه حرفة الأدب

قال المنصور: وطهارته؟

قال سعيد: لم يذكر الناس فيه رجساً

وأسكتا!

ولما قدمت حبيبة أبصرت في طريقها حبيباً وهو على حيرته، يستحثه صاحب الشرطة، فأنكرت بصرها، ورنت إليه، وأطال العجب رنوها، وألهم حبيب النظر نحوها. فالتقت العين بالعين، ووجب القلب للقلب، ثم أخضع الأسى عينيه، وأسجد جفنيه؛ فسارت نحوه مضطربة السير، قد مد الاستفهام ذراعيها، وابتدر سؤاله فمها. قالت: ما لك؟ فقص عليها قصته. فهزت رأسها وقالت: فهمت. . . فهمت. . . لقد فاح ذكاء المنصور عطراً، فنصبه شركاً؛ أنه صراع الملك في قصة يوسف! (وغمزت بعينها وضحكت)؛ ثم قالت بصوت حزين: يا حبيب. . . أعط الخليفة الهدية!

قال حبيب: لقد كانت صلة تحمل طابع الحب؟

قالت: أن حبنا معنا، وأما هذا الطابع فنحن الذين طبعناه، ونحن إذا شئنا محوناه، ليعود خاتمها الأول. . . خاتم البخل؛ فلقد يغلط البخيل فتكون غلطته جوداً، ثم ينقلب معنى الجود في نفسه ندما. ولقد علمت سعيداً بخيلاً، يكاد يسترجع قيئه إذا ذكر أنه كان طعاما!!

فاشمأز حبيب شمأزيزة المال، واطمأن طمأنينة الحب، ونادى صاحب الشرطة حيث وقف جنبه، فقال له: قد رضيت حكم الخليفة، وإني ذاهب لأحمل المال إليه. فقال صاحب الشرطة: أرحت واسترحت! وأمر شرطياً أن يذهب معه فيحمل عنه؛ ثم ذهب إلى الخليفة في سكاته، فأسر إليه رضى حبيب بحكمه، فتبسم ضاحكاً!

والتفت المنصور إلى سعيد وقال: إيه!

فنظر إليه سعيد نظرة تتألق بطلب الحديث!

<<  <  ج:
ص:  >  >>