للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المقدس، وتذكره بالواجب في الدعوة إلى الجهاد

الآن عرفت أن العلماء والأدباء لا يصورون عصرهم أصدق التصوير من النواحي السياسية، وإنما يصورونها من النواحي العقلية والروحية، فأنا لا ألتفت التفاتاً جدياً إلى أخبار الحرب ولا يهمني أن أدون ملاحظاتي على ما أقرا من أقوال الزعماء، وإنما اوجه جهودي إلى متابعة الحياة الأدبية والفلسفية عساني أصل إلى أشياء يستنير بها روحي وعقلي

أليس من العجب أن تستهويني خطبة السير لمبسون عن القديس جورج أكثر مما استهوتني خطبة المستر تشرشل عن مراحل الحرب في لوبيا والبلقان، مع أن الظروف توجب أن يكون اهتمامي بالخطبة الأولى أقل من اهتمامي بالخطبة الثانية؟

كان في خطبة لمبسون فكرة فلسفية آذنتني بأنه يسايرنا في آفاق الأرواح والعقول؛ أما خطبة تشرشل فتسير في الطريق لست منه وليس مني، لأني بعيد كل البعد عن آفاق السياسة والحرب، ومن الخير ألا يعي خطبة تشرشل غير من يشتركون في توجيه دفة السياسة والاستعداد لدفع أخطار الحرب، فهم المسئولون عن وعي الدقائق من هذه الشؤون

وليس معنى هذا أني أفاضل بين ميدان وميدان، فجميع الميادين أمام الواجب سواء، وإنما أقول بأن الاشتغال بالأدب الصرف لا يعد انسحاباً من المعترك السياسي، ولا هرباً من الإصاخة لدعوة الواجب عند احتدام الخطوب، فقد أعدنا الوطن لفروض لا تقل أهمية عن السياسة والحرب، وهو لن يطالبنا بغير الوفاء لتلك الفروض، وسيرى كيف نكون عند ظنه الجميل إن أشار بإغماد الأقلام وإشهار السيوف، فلنا سواعد وعزائم وقلوب، ولن تضام مصر وهي موصولة الفتوة برجال أقوياء يعدون بالألوف وألوف الألوف

أما بعد، فإن الأخبار السود التي أطالعها في الصباح والمساء لن تصدني عن الواجب الذي أعدني له وطني، وهو خدمة الأدب في مصر وفي سائر الأقطار العربية، وأنا ماض في أداء ذلك الواجب مهما اعتكرت الظروف

فما حديث اليوم؟

ومن الأديب الذي نلوذ بماضيه الهادئ فننسى أو نتناسى ما يحيط بنا من متاعب لا يتجاهل وقعها الأليم إلا من قد قلبه من الصخر الجلمود؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>