وكيف نهون على أنفسنا فنقبل ذلك الضرب من الاستعباد؟
وبأي حق ندعو إلى الحرية إذا أصخنا لدعوات بعض القراء فحرمنا أقلامنا نعمة الحرية؟
وما الذي يغضبكم، يا قراء هذا الزمان، ونحن لا نصوب سنان القلم إلى عيوب المجتمع إلا بتلطف وترفق؟
ما الذي يغضبكم وقد (راعينا خواطركم) فلم نؤدِّ من رسالة القلم غير كلمات ملفوفة لا ينحدر بها باطل ولا ينتصر بها حق؟
ما الذي يغضبكم وقد أطعنا بعض القلوب الخوامد، فعققنا روح العصر أبشع العقوق؟
كانت العصور الخوالي تسمى عصور الظلمات، ومع ذلك استطاع الأسلاف أن يواجهوا الجماهير بأفكار وآراء نعجز عن روايتها في هذا الجيل، فأين عصركم من تلك العصور؟ وأين أنتم من أولئك الرجال؟
قضت ظروف الحرب بإعلان الأحكام العرفية، وقضت الأحكام العرفية بمراقبة ما يُنشر في الجرائد والمجلات، فما الذي وقع؟
لم تتعرض الرقابة لمقالات الكتاب بالمحو والإثبات إلا بلطف ورفق، أما الجمهور فيرى أنه على شيء رقيب، وهو يعطل حركة الفكر بلا تهيب ولا استبقاء، وهو يدعى ما لا يملك من السيطرة على القلوب والعقول، وهو يؤذي من يخدمونه صادقين، وهو يحاول إخماد الجذوة الأدبية لتصبح آثار الأقلام وهي رسوم وأطلال.
ما نظرت في الرسائل التي (يتحفني) بها بعض الناس إلا أشفقت على مصير اللغة العربية، فهذه اللغة لا تحيا إلا إذا صارت أداة لتسجيل الحقائق والأباطيل. لن تحيا لغة العرب إلا إذا وجد فيها القارئ كل ما تشتهي العقول والقلوب والاهواء، على نحو ما يجد القارئ في لغة الفرنسيس والإنجليز والألمان. لن تحيا إلا إذا أصبح أدبها وهو أشبه الأشياء بالحدائق التي تجمع الأطايب من شتى الافانين، وفيها مع ذلك أشواك وأدغال تؤوي الفواتك من الحشرات والثعابين.
وما نظرت في مصاير الكتاب الذين (أدبهم) قراؤهم إلا جزعتُ: فالدكتور فلان كان خليقاً بأن يقيم في مصر نهضة فلسفية؛ ثم (أدبه) قراؤه، فهو اليوم (رجل طيب) يرى الفلاسفة