والجوارب (والكرافات)، ومعمل للزجاج، ومعامل صنعت أكثر من أنواع الأدوية وحكم الأطباء بجودة ما تصنعه، ومعامل لأنواع السكاكر والمربيات (والشوكولاته). وفي دمشق مدرستان للعلم الديني فيهما أكثر من خمسمائة طالب متعمم فضلاً عن الصغار، ومدرسة للطب تدرس العلوم كلها بالعربية؛ ولأساتذتها فضل كبير على ما وضع من المصطلحات العلمية في لغة العرب. وفيها مدرسة للحقوق العربية. وفيها أنشئ أول مجمع علمي عربي صحيح. وفي الشام كثير من الآثار الباقية من القرون الخالية: كالقلعة والسور، والمدارس، والمارستانات، والمساجد القديمة، والربط والخانات، ولكل من ذلك حديث طويل وتاريخ حافل، ولكن الإدلاء الجاهلين لا يعرفونها ولا يدلون السياح عليها. وفيها مدافن كثيرين من أعلام الإسلام في السياسة والعلم والأدب والتصوف. وفي مكتبتها الظاهرية نوادر المخطوطات، حتى أنها لتعد أغنى الخزائن الإسلامية فريدة. ودمشق ذاخرة بالعلماء في كل فن وعلم
وليس للعروبة مثل دمشق موئلاً وملاذاً، وليس في المسلمين مثل أهلها تمسكاً بالدين وإقامة لشعائره، فمساجدها ممتلئة أبداً؛ فيها كل شاب متأنق تراه فتحسبه من شراب مياه التايمس أو السين، وهو مسلم حقاً، مؤمن صدقاً، ناشئ في طاعة الله؛ ومساجد بلاد العرب إن امتلأت فبالشيوخ والشيب!
والمنكرات في دمشق مقموعة وأهلها الأذلاء. وللعلماء العقلاء المخلصين منزلة عند أهل دمشق ليس لأحد من أبناء الدنيا مثلها. والسفور في نساء الشام قليل نادر، والاحتشام والستر عام شامل. وأهل الشام كالماء لهم في الرضا رقته وسيلانه، وفي الغضب شدته وطغيانه، بل كان لهم من البركان فوراته وثوراته
وبعد فأي مزاياك يا دمشق أذكر، وإلى أي معاهدك أشتاق، وأيها أحن إلى حسنه وأهيم بجماله، وفيك الدين وأنت الدنيا، وعندك الجمال وعندك الجلال، وأنت ديار المجد وأنت ديار الوجد، جمعت عظمة الماضي وروعة الحاضر، وسيكون لك المستقبل. . . المستقبل لك يا دمشق، عشت وعاش بنوك والسلام عليك ممن غربته عنك وأنكرته، وأشقيته بالوفاء حين أسعدت بالغدر الغادرين