واجتماعهم مشكور لهم ومحمود - لتأبين العظيم الراحل، فقصور من ناحية النهضة العلمية خاصة والفكرية عامة يثير الأسف، ويبيح للناقد أن يلقي المسؤولية على الدولة ورجال الفكر أنفسهم
وهذه الناحية التي وقع عليها اختياري لتكون موضوع مقالي، هي الناحية التي كنت أود لو كانت من نصيب أساتذة النقد والتاريخ في إحدى المؤسسات العلمية، لأنها ناحية لها من الجلال والقيم ما ينوء به كاهلي وتنوء به جهودي
ولكني سأحاول:
و (القومية) في البحث، نقص من ناحية وكمال من ناحية: نقص من ناحية (الحقيقة) العلمية والتاريخية، لأنها - أي القومية - لون من ألوان التعصب يجافي أهداف الباحث وراء (الحقيقة) في ذاتها ولذاتها، وكمال من ناحية (الوطنية) التي تطالبنا بتغليب الصالح الوطني في الغاية والشعور العاطفي في التحليل على إدراك هذه الغاية
وإذن (القومية) ليست لها قيمة ثابتة، وإنما تختلف قيمتها باختلاف وجهة النظر إليها
و (الحقيقة) نفسها لها ميزاتها ولها مساوئها، أما الميزات تنحصر في القداسة التي تحوط الباحث، وفي الجمال الذي يحيط اللثام عنه يوم يدرك هذه (الحقيقة)، وفي الجلال الذي يشعر به يوم يرى نفسه وقد تجرد من كل تأثر شخصي أو عائلي أو قومي فأخذ مكانه فوق المستوى العادي وتطلعت الإنسانية المشوقة إلى الحقائق إلى حيث يقيم هذا الباحث داخل برجه العاجي. وأما مساوئ هذه الحقيقة فتنحصر في مرارتها وأثر هذه المرارة في الجماعة التي ينتمي إليها الباحث، وضرر هذه المرارة بالوطن أو بالأفراد أو الباحث نفسه. وحسبك أن تتصور نفسك الآن وقد جابهت أمتك حكومة وشعباً بالحقائق العارية فنشرت كتاباً ضمنته نقائصهم أفراداً وجماعة كما تعرفها أنت وكما أعرفها أنا، ثم تتصور نفسك وقد استاقك الجند إلى المحقق وزج بك المحقق في السجن، واستنكر تصرفك الرأي العام، واتهمك بالمروق من دين الوطنية كل وطني
من هذا ترى أن (القومية) نقص من بعض النواحي، و (الحقيقة) نفسها مريرة ولا أقول (نقص) من بعض النواحي، فإذا وجد الرجل إلي يجد في البحث وراء (الحقيقة) خالصة ليربح جلالها وليبرز جمالها وليساهم بهذا الجهد في الترقي الإنساني، ثم استطاع هذا