وجهه بمذبة. . فأيس من تكذيب عينيه، ولهث قائلاً بفزع لا يوصف:(رباه إنه هو هو. . . نعم هو في جلباب البيت فكيف كان ذلك. . .؟ هل عاد إلى البيت أثناء وجوده مع زوجه. . .؟ فكيف لم يشعرا به؟ ولماذا لم يقصد إلى حجرة نومه ليبدل ثيابه؟ أم أنه كان في البيت قبل ذهابه هو إليه؟ فكيف استقبلته المرأة باطمئنان؟ أو كيف لا تعلم بوجود زوجها في البيت؟ بل كيف لم يشعر به رب البيت مع أنه غادر المخدع في خطى مطمئنة غير محاذرة؟. . . رباه. . .! لقد نجا من شر فادح. . . وداخله إحساس الذي يستيقظ بغتة فيجد أنه قد اجتاز سوراً شاهق العلو في نومه. . . وتخايلت لعينيه أشباح الإثم والجريمة والسجن، فعزم على أن يضرب بغرامه عرض الحائط متعظاً بالهاوية التي أوشك أن يتردى فيها. ولكنه لبث يذهب لإعطاء دروسه للغلام توتو، وكان يعاني الآم قلبه وجموح عواطفه، ولكن المرأة لم تمهله حتى يتناسى ويتعزى، فعادت إلى اقتحام حجرة الدرس عليه وسألته بعينيها في عتاب وكدر. . . وحين انتهاء الدرس تبعته إلى الباب الخارجي وسألته بحدة: (لماذا لا تأتي؟). . . فقص عليها همساً ما رأته عيناه آخر مرة، ونظر في وجهها ليمتحن أثر كلامه، فها له ألا يرى الانزعاج الذي كان يتوقع، وسمعها تقول بلهجتها الغاضبة:(كذبتك عيناك. . .)، فأكد لها أن ما رآه حق بغير ريب، فاستهانت بتأكيده وقالت له: إنها ستنتظره وترى ما هو فاعل. . . فأبدى لها مخاوفه. . . فقالت وقد نفد صبرها:(أنت مخطئ واهم، فتعال ولا تتعب نفسك بالنظر إلى الشرفة. . . تعال ولا تخف. . .)، فوعدها بالعودة لكي يتخلص من إلحاحها ثم انطلق على نية ألا يعاود ذلك البيت إلى الأبد. . .
ولبث على ذلك أسبوعاً كاملاً. وفي مساء يوم الجمعة، وكان في الشقة - التي يشاركه فيها بعض الأقران - بمفرده، سمع طرقاً على الباب، فمضى إليه وفتحه، فرأى أمامه رضوان بك بجسمه المترهل متوكئاً على عصاه ذات المقبض العاجي. فسرت في جسده رعدة شديدة زلزلت قلبه زلزالاً عنيفاً، ووثب إلى ذهنه خاطر سريع: أن امرأة ربما وشت به كذباً عند زوجها لتكيد له، وأنه جاء للتأديب والانتقام. . . فاستولى عليه اليأس والقنوط، وصعد في وجه الرجل نظرة ارتياع ليقرأ ما تدل عليه إمارات وجهه وما ينذر به حضوره، فرآه هادئاَ مبتسماً كأنما جاء لسلام لا لقتال. ومد يده بالسلام، فمد الشاب يده، ولما يفق من دهشته. . .