بعدها بقوله:(فما ذلك الرمي؟) ويرجح أنها مصحفة (من الرمز)، والحقيقة أن كلمة (الرمي) صحيحة وملائمة، وليس هناك ما يحمل على العدول عنها، بل يوجد ما يوجب التمسك بها، فالرمي بحجر أو حصاة وسيلة معروفة من وسائل التنبيه عند القدامى والمحدثين وهو أدعى إلى الارتياب، ويفسر له ذلك ما روى في نوادر ابن أبي عتيق:(عبد الله ابن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) قيل: وتعشى عبد الله ليلة ومعه رجل من الأنصار، فوقع حجر الدار، ووقع آخر وثالث؛ فقال للجارية: اخرجي فانظري أذَّنوا المغرب أم لا؟ فخرجت وجاءت بعد ساعة وقالت: أذَّنوا وصلوا؛ فقال الرجل الذي كان عنده: أليس قد صلينا قبل أن تدخل الجارية!؟ قال: بلى، ولكن لو لم أرسلها تسأل عن ذلك لرُجمنا إلى الغداة أفهمت؟ قال: نعم قد فهمت!
وواضح من هذا أن صديقاً للجارية كان يدعوها بالرمي الثانية:(رأس الخنازير) و (سيد الخنازير)، يرجح الأستاذ أنها (رأس الخبّازين)؛ ولا أدري لمن يخبز هذا الخباز ومن الذي سيأكل خبزه من السباع الضاربة!؟ ويؤيد الأستاذ ظنه بأنه قد أشير إليه في بعض النسخ بعبارة (صاحب المائدة)
وهذا دليل لا يقدم ولا يؤخر، فما المانع من أن يكون (رأس الخنازير) هو (صاحب المائدة) في نفس الوقت، وهذا هو الواقع، وهو من دلائل الحبكة القصصية عند المؤلف، حيث جعل الأسد يأمر بعزله عن وظيفة القيام على مائدته بعد ما تحدث (دمنة) عن قذارته ودمامته، ولا أفهم كيف تدل كلمة (صاحب المائدة) على الِخبازة، ومائدة الأسد معروفة ألوانها؟ وقد التفت إلى ذلك الأستاذ المرصفي في طبعته المصورة فقال:(وسيد الخنازير هذا كان خادماً على مائدة الملك، كما يفهم مما بعد. . . الخ).
الثالثة:(وانقلبت ظهراً لبطن، وانجررت حتى دخلت جحري) ويسأل حضرته قائلاً: (فماذا جره حتى انجر؟ إنما هي: وانحدرت) ونحن نسأله على طريقته (ماذا قلبه حتى انقلب؟ وماذا حدره حتى انحدر؟)، فهذا الفعل المطاوع لا غبار عليه البتة، وأمثاله كُثْرٌ في اللغة، وهذا الفعل بالذات تقول عنه المعاجم: وقد جَرّت الإبل تجر جراً إذا رَعَتْ وهي تسير، أو الجرُّ أن تركب الناقة وتتركها ترعى، وقد جرها يجرها (كالانجرار) فيهما، وأنشد ابن الأعرابي: