للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قال مستر درنكووتر: إنه سيحاول أن يبين في محاضراته أمرين: الأول أن يلفت النظر إلى جمال الشعر الإنكليزي في ذاته، والثاني أن يبين أن الخلافات السطحية بين الشعر الإنكليزي والشعر المصري (العربي) ليست في الواقع أكثر من سطحية، وإنه عندما نتأمل الحقائق التي يعنى بها الشعر، نجد الحياة البشرية تضطرم في نفس الشاعر، سواء أكانت بين الفلاحين المصريين أم بين الفلاحين الإنكليز، أو بين طلبة جامعة إكسفورد وكامبردج أم بين طلبة جامعة القاهرة، أو شاعر أيرلندي مثل يتس أو شاعر عربي مثل شوقي. ثم قال أنه قرأ (مجنون ليلى) التي ترجمها مستر أربري، فدهش إذ رأى مبلغ ما هنالك من تشابه بينها وبين ما يكتبه شاعر كمستر يتس.

ولكن يجب أن أقول أني لم أدهش، لأننا نعرف أن هذه هي طريقة الشعر، فالشعر لا يعرف الحواجز التي تقيمها بين الشعوب مصالح التجارة أو السياسة، بل تقيمها العادة والإقليم، والشعر يذهب إلى أعماق الحياة ويرى أن أعماق الحياة لا تختلف بالنسبة لمختلف الشعوب، وأنها واحدة في العالم بأسره.

فإذا كنت أحدثكم فأرجو ألا تعتبروني سائحاً من بلد أجنبي، ولكن صديقا يتحدث باسم الشعر عن أشياء يجب الا يظن متأملاها أن أحدهما غريب عن الآخر: واسمحوا لي أن أكون جريئا، فأستميح عفوكم في بيت لشاعركم شوقي.

ولست أعتقد، بعد الذي غمرني به المصريون من العطف، أنني رجل متعثر ضال.

ثم قال مستر درنكووتر: ما هو الشعر؟ يمكن أن نقول: أنه (الفن) فالفن في كل خواصه الجوهرية كالشعر سواء بسواء. والشعراء لا يخلقهم الشعر، ولكن الشعراء هم الذين يمدون العالم بعلم النظريات الشعرية، وإذن فالشعر هو فهم تام للتجارب، وإبراز هذا الفهم في صيغ الألفاظ. وعقولنا جميعا مهما اختلفنا في الجنس واللون والمركز والآراء والأطماع نستقبل جميعا في كل وقت أسفارا ضخمة من التجارب، والمسألة هي كيف نفهم هذه التجارب، والعقل القوي دائما سيد تجاربه؛ وهنا يتدخل الشاعر، فالشاعر لا يختلف في النوع عن أقرانه، ولكنه يحتاج إلى فهم أعمق لهذه التجارب، وهذا الإجهاد، وهذه الرغبة، وهذه الضرورة هي المجد، وهي المأساة في حياة الشاعر. هي المجد إذا استطاع أن يرضي هذه الضرورة؛ وهي المأساة لأن معظم هذه التجارب لا يمكن أن يحقق ويفهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>