للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخطاب وإحياء كلم اللغة الميتة، فكم في لغتنا من الألفاظ مهجورة، وكم في قواميسنا من مفردات مهملة، مع إنها تصلح للاستعمال والتداول على اسلات الأقلام، فمثلا كلمة (يتمعج) بمعنى يلتوي ويتثنى لا تجد الكتاب يستعملونها مع إنها سهلة النطق والرسم وقد تكون أولى من مرادفاتها في الاستعمال، ومثلها كلمة (يعمس في الأمر) بمعنى يتجاهله ويتغافل عنه إلى غير ذلك من الكلمات التي نحن في حاجة إلى إيحائها والتي في تداولها تغزير لمادة الكتاب.

وإحياء مهجور اللغة معناه ان تستعمل كل كلمة غريبة مجهولة وان تجريها على أي وجه كان، وتدرحها في أي عبارة كانت، وإنما هذا مقام يحتاج إلى البراعة والدقة، وورد عن ابن شهيد الأندلسي انه قال (جلس إلي يوما يوسف الإسرائيلي، وكان افهم تلميذ مر بي وأنا أوصي رجلا عزيزا علي من أهل قرطبة وأقول له: إن للحروف أنساباً وقرابات تبدو في الكلام، فإذا جاور النسيب النسيب، ومازح القريب القريب، طابت الألفة وحسنت الصحبة، وإذا ركبت صور الكلام من تلك، حسنت المناظر وطابت المخابر، أفهمت؟ قال أي والله!! قلت له وللعربية إذا طلبت، وللفصاحة إذا التمست، قوانين من الكلام، من طلب بها أدرك، ومن نكب عنها قصر! أفهمت؟ قال نعم، قلت: وكما تختار مليح اللفظ ورشيق الكلام فكذلك يجب ان تختار مليح النحو وفصيح الغريب وتهرب من قبيحه قال: اجل، قلت: أتفهم شيئا من عيون كلام القائل؟

لعمرك أني يوم بانوا فلم أمت ... خفاتا على آثارهم لصبور

غداة التقينا إذ رميت بنظرة ... ونحن على متن الطريق نسير

ففاضت دموع العين حتى كأنها ... لناظرها غصن يراح مطير

فقال: أي والله! وقعت (خفاتا) موقعا لذيذا ووضعت (رميت) و (متن الطريق) موضعا مليحا، وسرى (غصن يراح مطير) مسرى لطيفا، فقلت له: أرجو انك تنسمت شيئاً من نسيم الفهم، فاغد عليّ بشيء تصنعه الخ.

وفي هذه الحكاية يشرح لنا ابن شهيد كيف يكون استعمال الغريب وأحياء المهجور من الألفاظ، فيرى أن تختار الكلمات الصالحة، وان يراعى في وضعها القرابة والنسب، حتى تحسن الصحبة وتطيب الألفة، وهو رأي صحيح ولكنه يحتاج في تنفيذه كما قلنا إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>