على عقول المفكرين في هذا المجتمع المريض؟ مر بخاطري ذلك الصحفي الذي يملأ صحيفته بالحديث عن نفسه وكيف قضى يومه بين زيارات وحفلات وسهرات، وعجبت كيف يفرض على الناس أن يهتموا بسهراته ومقابلاته وأحلامه؟ إن مثل هذا الصحفي يلقبونه أحياناً (صحافياً عبقرياً) لماذا؟ ألا إنه يعلم أن في وطنه آلاف المشكلات التي تستحق عنايته ككاتب يعبر عن آلام الشعب وأمانيه، ثم يصرفهم عن الجد بالهزل ويحول بينهم وبين المطالبة بحقوقه بأمثال هذه (الطرق الأمريكية)؟ وأتى دور المحامي الشهير الذي أعلن قريباً (أن العلاج الناجح لمثل هذا الوطن المنكوب بملايينه الجائعة العارية المريضة الجاهلة هي الاشتراكية، ونسى أنه من الأثرياء الذين لا يحسنون فهم الروح الاشتراكية، وأن الاشتراكية نفسها تأبى جمع المال بمثل هذه الوسائل بل وتحاربها أيضاً. ثم تقدمت صورة طبيب ملأ الجشع نفسه حتى لم يجد من العار أن يساوم المريض على فراش الخطر وأن يبهظ قدرته على الصرف بإطالة أسباب العلاج، غير مراع في ذلك حرمة المهنة ولا الضمير الإنساني.
هؤلاء الأطباء يدعون أنهم خدام الإنسانية! وتذكرت فجأة أني ركبت تراماً وسمعت بعض الذين أشقتهم أزمة الغلاء وعدت على قوتهم الضروري يقولون: ليت الذين ينصحوننا بالصبر والقناعة ويوصوننا بعدم الإسراف، يعلمون أن في بيوتنا جياعاً لم يتذوقوا الطعام. الطعام الذي ينصحوننا بالاقتصاد فيه) وهل خفف هؤلاء الناصحون من مظاهر ترفهم أو رقوا لحال من يعملون في مزارعهم أو قصورهم أو مصانعهم أو متاجرهم؟
الجواب دائما: لا ثم لا!!
هؤلاء الحكام والسياسيون يستطيعون في كل وقت أن يصنعوا شيئاً لهذا البلد، ومع ذلك لا يفعلون؟ إنهم حينما يرون كسب عطف الفلاح أو العامل بات أمراً جوهرياً لبقائهم لا ينفكون يتوددون إليه بشتى ألوان الوعود والأماني العذاب، حتى إذا تم لهم ما يريدون، نسوا أو تجاهلوا ما كان.
هل يمكن لمثل هذه الملايين البائسة أن تمنحهم ثقتها بعد أن ضيعوا عليهم ربع قرن من الزمان في منازعات حزبية شخصية غايتها اقتسام المنافع واقتسام المناصب والسلطان؟ وهل تغتفر لهم ضياع فرص قد يعز على المستقبل أن يجود بمثلها؟؟ هذا سؤال سترد عليه