للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

سوريل) رسول النقابية في فرنسا أول ما تلقاه من مبادئ العنف النقابي كوسيلة للانقلاب السياسي والاجتماعي قبل أن يتعقبها إلى منهلها في فلسفة (هيجل)، وينهل من هذا النبع المسموم؛ وعن (سوربل) تلقى (موسليني) بدوره هذه المبادئ الضارة والنهج الوبيل

فلقد صرح (هيجل) آنئذ في كتابه المعروف (بفلسفة التاريخ) بأن الدولة هي أسلوب فعال مطلق، وتجسيد لفكرة (أي تجسيد الحقيقة الماثلة وراء الظواهر). وعنده أن تلك الكائنات الحية التي تعيش تحت ظلال هذا الأسلوب من الحق المطلق، ليس لها من الحق في الاعتبارات المستقلة بأكثر أو بأقل مما للخلية بالإضافة إلى الهيكل البشري؛ وهو يقول: (إن الدولة هي أسمى فكرة وأجل وحي وأنبل خاطر، يغمر الحياة ويعيش على وجه الأرض)، لأن: (جماع ما للكائن الحي من قيمة وجماع ما ينعم به من الحقائق الروحية، إنما يتهيأ له فقط ويأتيه عن طريق الدولة)؛ يضاف إلى ذلك أن الدولة غاية في نفسها وشيء قائم بذاته، وهي الغاية القصوى التي يسمو حقها الأعلى على حق الفرد الذي ينطوي أسمى واجباته في أن يكون فرداً في الدولة

وهذه التعاليم هي من نوع التوفيق بين وجهة النظر الحرة ووجهة النظر المسيحية على حقيقتها في الحياة. إذ كلا النظرين يجعل لشخصية الإنسان قيمة عظمى. تلك الشخصية التي يعدها المذهب الحر العنصر الأولي الذي لا غنى عنه في مجتمع مكلف حر من الكائنات الإنسانية. بينما تنظر إليها العقيدة المسيحية كمستودع للنفس الخالدة. والصحافة الحرة قد هيئت لأن تنهض فور الوقت بواجبها نحو الحرية الاجتماعية والسياسية إذ تكون لسانها الناطق وحارسها الأمين. إلا أن الأمر يختلف عن ذلك تحت نير تلك النظم السياسية التي تعامل الفرد كمجرد تابع خاضع في كل شيء لإرادة حكومة مطلقة تعبر عنها أوامر حاكم مستبد حيث لا تصادف الصحافة الحرة ولا الصحفيون الأحرار أي عدالة أو ضمان

ولكن المسألة لا تنتهي عند هذا الحد إذ تصل إلى الأعماق من فلسفة الصحافة ذاتها. ففي الأمم الحرة ليس من شأن الصافة، لا يمكن أن يكون من شأنها ومن شأن ما يسمى أحياناً (بمسئولية) الصحفي، أن تكون مجرد صدى يردد ما يجري على لسان الحكومة من رأي. أو تعني بالتزام ذلك الصمت الذي يأخذ رجال السياسة أنفسهم به، أو يجري في عقيدتهم أنه من مقتضيات المراكز التي يشغلونها. والصحف المستقلة إن أيدت الساسة في خططهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>