إذا عدَّت رجال العصر يوماً ... فإنك واحد بمقام ألف
وكان عوناً على إصدار أول جريدة عربية في بيروت، وهي (حديقة الأخبار) سنة ١٨٥٨
وعين ترجماناً في قنصلية فرنسا ببيروت، لأنه كان يجيد الفرنسية إجادته العربية ولبث في هذا المنصب إلى آخر أيامه.
وكانت له خدمات علمية ووطنية عديدة، لا يسعنا استيفاؤها في هذا المقام.
وقد خلف أربعة أبناء اشتهر منهم اثنان في العلم والتأليف وهما نجيب وجميل صاحب الترجمة.
٣ - شيء من حياة (جميل)
عرف (جميل) منذ صغره بالنباهة والذكاء وسلامة الذوق، وأوتي قريحة وقاد لا تخبو نارها بسلاسة عبارته، وبصيرة ناقدة لا يخفي شرارها بطلاوة نوادره وحسن فكاهته، وجدّاً يستسهل المتاعب، وثباتاً يغلب المصاعب. وقد أظهر براعة كوالده في تعلم العربية والفرنسية؛ فوضع في الأولى تصانيف ومقالات عديدة كما كان له من الثانية أكبر عون على توسيع آفاق فكره، ونقل بعض المؤلفات منها إلى لغة الضاد.
ولقد نالت مؤلفاته استحساناً من رجال عصره. فكتابه (حضارة الإسلام في دار السلام) الذي يأتي الكلام عليه في مكان آخر من هذا المقال، (قدِّره وأنزلهُ منزلةٌ رفيعة كما يستحق، كل من جودت باشا وزير المعارف العثمانية، وأحمد مختار باشا الغازي المعتمد السلطاني في مصر سابقاً، وغيرهما من مشاهير الرجال. وقد كافأه عليه حينئذ السلطان عبد الحميد بجائزة مالية تنشيطاً له على خدمة العلم).
وهذا العلامة جبر ضومط، أثنى على كتاب حضارة الإسلام المذكور ثناء عاطراً، فقال فيه إنه (كتابٌ لو وُزن بالدرر لرجحها!).
وذكر المؤرخ جورجي زيدان، في معرض كلامه على ما أداه جميل المدور للغة العربية، فقال إنه (خدم آداب هذا اللسان خدمة حسنة بذكرها له التاريخ ما بقيت اللغة العربية!).
وذكر إدورد فنديك في محتويات كتاب حضارة الإسلام أنها (مفيدة من حيث لغتها وآدابها ورونقها التاريخي) وزاد على ذلك قوله: (نحث كل شاب على اقتنائها).
وانتقل جميل إلى القاهرة، وتولى في آخر حياته فيها تحرير جريدة (المؤيد) وهي إحدى