ثملت يا كرم حتى غفت نشوتها ... وعفت صمتي على كأسي وإطراقي
مل الندامى خداع الكأس صائحة ... على صباح بنور الفجر دفاق
تميل أعناقهم والكأس دائرة ... حتى كأن الطلا تعويذة الراقي!
ألفت يا كرم تلك الخمر صافية ... كما ألفت يراعاتي وأوراقي
يا كرم، ما صار خير الخمر أقدمها ... إن كان ثم جديد فالهوى باق
أريد يا زهرات الروض أنفاساً ... غير التي عرَّفتني الورد والآسا
ما عدت أستروح الأنسام عاطرة ... ريانة النفح تنسي القلب ما قاسا
نسيت بالروض أياماً لنا سلفت ... كان الندى خمرتي والوردة الكاسا
أشدو بشعري مع الأطيار صادحة ... وقد أقمنا على الغدران أعراسا
فالزهر يبسم رفافاً لفرحتنا ... والغصن يختال تحت الزهر مياساً
رغبت يا زهرات الروض عن أرج ... قد كان يملؤني وهما ووسواسا
فضي جيوبك يا زهرات عن أرج ... ما بات يشعل في الوجدان إحساسا
أريد يا طير تغريداً كتغريدي ... وأن تردده في الدوح ترديدي
ما للأغاني تغنيها فأسمعها ... فلا تطامن من همي وتسهيدي
سئمت يا طير ألحاناً شدوت بها ... بين الرياحين أو فوق العناقيد
إن كان عندك لحن غير ما صدحت ... به رباك، فوقعه على عودي
لو كنت كالطير في الأجواء منطلقاً ... لأنشد الطير للدنيا أناشيدي
وبات يمتعه فني وجدّته ... فلن يكون لي فني وتجديدي
يا ويح للطير، لازالت هواتفه ... تردد اللحن من أيام داود
أريد يا ليل، إن رتلت آياتي ... أن لا تخفف أشجاني وآهاتي
دعني لظلمتك الدكناء أقبسها ... نوراً يضيء حنايا دهري العاتي
شقيت يا ليل بالأضواء تغمرني ... فتوقظ الألم الغافي بأناتي
قد كنت يا ليل تسليني إذا عصفت ... بي الأماني في كيد وإعنات
أما سمعت بعادي الدهر فزعني ... وفوق مسرحه غنى لمأساتي
يا ليل أين السكون العبقري مضى ... وخلف القلب مشبوب الصبابات