إننا نحمد الله على ذلك، ونستبشر به خيراً، لأنه يدل على تأصل الروح الإسلامية في المسلمين، وعلى أن الأحداث لم تعبث بهذه الروح ولم تفسدها، وعلى أن الأمة لا تنتظر إلا القادة المصلحين، لتسير وراءهم غير مترددة ولا وانية، تحت راية القرآن الكريم!
من ظن أن رسالة جماعة كبار العلماء رسالة سهلة يسيرة، يكفي أن تتنبه لها، وتأخذ في أسباب أدائها، وتجمع لها لجنة أو لجنتين، وتعقد لها جلسة أو جلستين، فقد ظن عجزاً
ذلك بأنها رسالة يجب أن تتضافر عليها الجهود لأعوام وأعوام، وأن تحشد لها القوى المختلفة، كما تجند الأمم قواها للحروب!
وهي رسالة تحتاج مع القوة إلى الشجاعة في مواجهة الحقائق، والجراءة على الباطل الذي مد رواقه، وضرب بجرانه
وهي رسالة تحتاج مع القوة والشجاعة إلى الصبر والمثابرة والإخلاص للعلم والعمل والإنتاج.
ستنظر الجماعة في البدع التي شاعت وذاعت، وتغلغلت في أوساط العامة والخاصة حتى عد الناس كثيراً منها من الدين، وأصبح عزيزاً عليهم يدفعون عنه، ويغارون عليه.
ستنظر الجماعة فيما لنا من عادات تتحكم فينا وتفرض علينا سلطانها الجبار، وإرادتها القاهرة فنحافظ عليها ولا نتسامح فيها، وربما عددناها من شعائرنا وحسبناها من تقاليد ديننا، وزحمنا بها أنفسنا وأموالنا وحكمناها في مصائرنا.
ستنظر الجماعة في هذا وأمثاله لتقرر ما هو بدعة وما ليس بدعة، وتضع لذلك الأصول، وتضرب فيه للناس الأمثال، لعلهم يجتمعون على الحق، ولا يهيمون في أودية الباطل.
وهنا ينبغ أن تتجلى شجاعة العلماء، فما كان من خير أقروه، وما كان من شر أنكروه؛ أما الخوف من العامة ومجاملتهم أو ممالأتهم على العقائد التي يعتقدونها، أو العادات التي يألفونها، وتأويل ذلك لهم على وجه له ظاهر من الصحة والقبول، فهذا هو الخطر الأكبر، ولو فعلته جماعة كبار العلماء لكان حكم التاريخ عليها قاسياً لأن التاريخ سيقول إن جماعة كبار العلماء قد سكتت عن رسالتها ثلاثين حولاً، فلما استيقظت لها جعلت تجاري أهواء الناس ورغبات الطوائف، ولم تجرؤ على هدم الباطل، فالتمست له المعاذير، وأفتت فيه