وقد تهادى الإوز الغر في شغف ... على مياهك. . يلهو في جداولك
يا لهف نفسي عليك اليوم قد سكنت ... عن سكب ألحانها هذي الأغاريد!
لم يبق في الغاب من صوت يجاوبه ... صدى السكون ولا للريح ترديد
ولم تعد فيك تحيي الأنس ثانية ... في الليل فتيانك الطيب الصناديد
لم يبق غير عجوز جد عانية ... أو ثاكل هَّدها هَمٌ وتسهيد
قد أكرهتها حياة لا تبدلها ... من مأكل خشن أو مشرب رنق
فقوست ظهرها فوق الضفاف على ... هشائم العشب تجنيها أو الورق
وثم ترجع في ضعف يغالبها ... لكوخها توقد النيران في الغسق
ظلت لتبقى على الوادي مؤرخة ... له وتطوي بقايا العمر في قلق
هناك في أجمة كانت تشارفها ... أشجار مهتزة الأزهار فيحاء!
قد أوحشتها غصون لا تشذبها ... عناية فتدلت جد لفاء!
هناك من بين أغصان محطمة ... تغشى المكان. . وبين الظل والماء
يقوم مرتبع القسيس في خفر ... مستحيياً يتوارى تحت أفياء!
قد كان شيخاً وقور الذات متقيا ... يخشى الإله ويقضي الليل أوابا!
يعده القوم من أهل اليسار وإن ... لم يحو غير التقى ذخرا وأسلابا!
وكان في الناس محبوبا ومحترما ... يلقي الغريب ويلقي الأهل أحبابا
لم يقرب المدن من إثم يطوف بها ... بل كان يطوي القرى للوعظ جوابا!
ما زال سائله المسكين يقصده ... وضيفه الشيخ يرعاه بلا برم!
ولم يزل يجلس الجندي مصطليا ... في داره موقد النيران من أمم!
يروي له كل ما لاقى وتلذعه ... نار الجراح فيشكو شدة الألم
والشيخ جانبهم دوما يقاسمهم ... آلامهم بحنان غير متهم
يظل كالطائر الشادي يرف على ... صغاره فوق أغصان الخميلات
يحتال كيما يطيروا. . ثم يحملهم ... إلى جناب خصيب في السماوات!
قد راح يزجر من يبطئ ويسعفه ... إذا تخلف عن طير الجماعات!
يهديهم نحو كون لا يطوف به ... غير السعادة في علوي جنات!