سبها فليس لنا الحق منذ ماتت أن ندعوها كذلك، ولذلك طردته!
وحضر آخر وكان طبيب القلب للغاية، لطيفاً للغاية حق لقد استعبرت عندما حدثني عنها! ولقد أخذ برأي في ألف شيء بخصوص الجنازة، لا أذكر الآن منها شيئاً مطلقاً وإن كنت أذكر جيداً صورة ناووسها؛ وصوت المطرقة حينما أغلقوه عليها!. . . أواه يا إلهي!. . . وووريت. . .! ووريت! هي! في هذه الحفرة! وحضر بعض الناس! بعض الأصدقاء! فررت منهم همت على وجهي طويلاً في الطرقات! ثم عدت أدراجي إلى منزلي؛ وفي اليوم التالي قمت بسفرة طويلة!. . .
رجعت أمس إلى باريس!. . .
وعندما رأيت ثانية غرفة نومي؛ غرفة نومنا! مهادنا أثاثنا، كل ما في هذا المنزل. . . كل ما بقى من حياة شخص بعد موته. . . أصبت برجعة حزن محض! فقمت إلى النافذة وأطلت منها على الطريق!. . .
ولما لم أستطع أن أصبر على الإقامة بين هذه الأشياء، بين هذه الجدران، تناولت قبعتي وخرجت أبغي فكاكا! وفي طريقي إلى الباب مررت بمرآة البهو الكبيرة التي وضعتها هناك، لترى فيها نفس من رأسها إلى أخمص قدميها كل يوم عند خروجها لتتأكد من زينتها كاملة، وأنها تبدو جميلة آسرة من حذائها إلى قبعتها!. . .
وقفت أحدق في هذه المرآة التي طالما عكست صورتها طالما! طالما!. حتى خيل إلى أنها تتراءى فيها!. . .
كنت ثم واقفاً، مرتجفاً، وعيناي مثبتتان على زجاج المرآة، على الزجاج المسطح! الضيق! الرحيب!. . . الزجاج الذي يحتويها بأكملها؛ يتمتع بمشاهدتها أكثر مني؛ أكثر من نظرتي الولهة!. . . خيل إلي أني أحببت هذه المرآة! لمستها؛ ألقيتها باردة أواه! يا لها من ذكرى يا لها من ذكرى!
مرآة مؤلمة! مرآة متقدة مرآة حية! مرآة مروعة!. . . سعداء هؤلاء الذين يحكى قلبهم مرآة؛ يدعون صور المرئيات تنزلق عليها، ويزيلونها متى شاءوا، فينسى كل قلب ما احتواه؟. . . كل ما سر أمامه! كل ما شاهده! كل ما سدد إلي عواطفه!. إلى حبه. . . كم أتألم!. .