ورحت أقرأ الأسماء بأصابعي أمر بها على الحروف. . . يا لها ليلة، يا لها ليلة؟ لم أجد قبرها. . .
وكان القمر غائباً فاستولى علي الخوف، وخوف مروع في هذا المكان الموحش. . . بين صفين من القبور. . .؟
القبور! القبور! القبور. . .!
قبور. . . إلى اليمين وإلى اليسار. . . إلى الأمام وإلى الخلف. . . في كل صوب قبور. . .!
تهالكتُ على واحد منها، لأني لم أستطع أن أتابع السير أكثر من ذلك. . . لأن ساقي كانتا تلتويان. . . أصخت بأذني أصغى لو جيب قلبي. . . أصغي أيضاً لشيء آخر. . . ماذا. . .؟ نبأة مبهمة لا أسم لها. . . أكان ذلك في رأسي المجنونة. . . أكان ذلك في غبش الليل الضارب سجوفه وإسداله أم تحت الأرض الخفية. . . تحت الأرض المزروعة بجثث البشر؟!
كم من الوقت مكثت هناك؟ لا أدري. . . غدوت قعيداً من الخوف. . . أصبحت ثملاً من الرعب. . . على أهبة الصياح. . . على أهبة الموت. . . وفجأة، خيل إلي أن لوح الرخام الذي كنت جاثماً فوقه قد تحرك. . . حقاً، تحرك كما لو كان قد رفع. . . وبفطرة واحدة ألقيت بنفسي على الجدث المجاور. . . وشهدت. . . نعم، شهدت الحجر الذي غادرته قد انتصب واقفاً وظهر الميت. . . هيكل عظمي ليس غير. . .! وإن كان الليل وقتذاك قد نشز على الكون ذوائبه. . . فقد رأيت. . . رأيت جيداً على الصليب هذه الكلمات:(هنا يرقد (جاك أوليفان) المتوفى في الواحدة والخمسين من سني حياته، كان محباً لذويه، شريفاً، طيب القلب. . . وتوفي إلى رحمة الله. . .!)
ولما قرأ الميت هذه الكلمات المنقوشة على قبره، انحنى إلى الأرض، والتقط قطعة من الصخر. . . قطعة صغيرة مدببة. . . واخذ يزيل هذه الكلمات بعناية ودقة. . . أزالها عن آخرها ببطيء وهدوء، محدقاً بعينيه الواسعتين في المكان الذي كان منذ برهة متوارياً فيه. . . وبطرف العظمة التي كانت يوماً ما سبابته. . . كتب بحروف براقة لامعة: