يقول الأديب صاحب الخطاب (إذا خاطبت إنساناً فقيراً باللغة الفصحى لتسدي إليه النصح والإصلاح هل يفهمك أو يظن أنك تسخر به، فيحز ذلك في نفسه وينصرف عنك متألماً؟)
فمن اللازم أولاً أن نفرق بين اللغة الفصحى واللغة الصعبة التي لا يفهمها إلا الأقلون؛ إذ ليس كل فصيح صعباً ولا كل عامي ركيك سهلاً على سامعيه
ومتى فرقنا بين الفصاحة والسهولة أدركنا أن السهولة تتوافر للكلام الفصيح وتنفذ إلى أسماع الجهلاء غير حائل بينها وبين النفاذ إلى تلك الأسماع حركة الأعراب ولا صحة التركيب
هذا أولاً
أما (ثانياً) فمن اللازم أن نذكر أن العظات إنما تتلقى بالخشوع والتوقير كلما اقترنت في ذهن السامع بملابسات الخشوع والتوقير
والعظات التي تقترن في ذهن السامع بالمسجد وحلقات العلم أحرى أن تقترن بالنفوس الخاشعة والأسماع المصغية من عظات تحمل طابع السوق ومجالس اللهو والمزاح. وهذه المقارنة النفسية أشبه بمقارنة الهيبة التي تسري إلى قلوب السامعين وهم يصغون إلى الواعظ في المسوح ولا تسري إليهم وهم يصغون إليه في مباذل البيت وملابس السهرة وكسوة (الردنجوت)
أما شعور الجاهل الفقير وأنت تخاطبه بالفصحى فقد تختلف فيه الأقوال حسب اختلاف الأحوال، ولكنه لو أنصف لأمتعض ممن لا يخاطبه إلا وهو متنزل إلى لغة أوضع الطبقات، كأنه يترفع عن مخاطبته باللغة التي يخاطب بها أقرانه وزملاءه. وما أظن الجاهل الفقير يجب أن يترفع الأغنياء عن لقائه في حجرة الاستقبال التي يلقون فيها أقرانهم وزملائهم ليخرجوا له إلى المراء حيث يجلس بغير مقعد وبغير مهاد. . . فلماذا يحب الجاهل الفقير أن يتنزل مخاطبه من أسلوبه وأسلوب أقرانه وزملائه ليخاطبه بما هو دون ذلك الأسلوب؟
إننا لم نسمع أن أحداً تواضع حباً للفقير فخلع حذائه ليمشي حافياً أو يلبس النعال؛ فما بال أناس يتواضعون فيخلعون لغة المعرفة والثقافة لأنها كما يزعمون لغة لا يفهمها الفقراء؟
ما خلت الدنيا قط ولن تخلو من التعلم والتعليم، وإن اليوم الذي ننبذ فيه كل ما نتعلمه