وكانوا يدخلون في جوف الأرض أنبوبة طويلة من الصلب، ومصدر الحركة من البرج طارة كبيرة من الخشب تديرها ماكينة قوية وقودها الزيت الثقيل.
وعلى خبرة المهندس وبراعته يتوقف نجاح حفر البئر فمثقاب ثقيل صاعد هابط وأنابيب ترسل في جوف الأرض إلى عمق ألفين وربما ثلاثة آلاف من الأقدام الواحدة تلو الأخرى في استقامة رأسية، وإشارات المهندس يتلوها أفعال وأعمال بأوضاع مختلفة مؤتلفة. والمثقاب دائب الحركة داخل الأنابيب، وفتات الصخور والرمال ترتفع من باطن الأرض إلى سطحها بطرق ميكانيكية وبصيرة المهندس تلحظ ما هو جار في الأعماق فتصلح أي انحراف يطرأ على اتجاه الأنابيب أو تسد بالسمنت ما قد يحدث من الثغرات في جدرانها حتى لا يتدفق فيها ماء الرشح أو يتسرب منها الرمل فتفسد البئر، ويستمر العمل جارياً هكذا مدة ثلاثة شهور أو أربعة وأحياناً عشرة حتى يصل المثقاب إلى طبقة البترول، وهنا يسير العمل بحذر شديد وبعناية كبيرة، وتتجلى في هذا الدور ألمعية المهندس في توقيه ما قد يحدث أحياناً من انبثاق الزيت وهو تحت ضغط هائل من الأعماق السحيقة إلى وجه الأرض بشدة عظيمة تخرب البئر وتقذف الأنابيب والأدوات في الهواء إلى علو كبير، وتغرق الأرض بكميات كبيرة من الزيت يذهب معظمه هباء وتكون الخسارة افدح لو اتصلت النار بهذا الزيت فنشب حريق هائل قد يلتهم باقي الآبار ومستودعات البترول ومباني الشركة. للمهندسين طرائق مختلفة لاجتناب هذه الكارثة - فإذا اجتاز الحفر هذه الخطوة الدقيقة ووصل المثقاب إلى الزيت نفسه رفع المثقاب وأدليت مكانه مضخة ماصة كابسة تستقر وسط الزيت على عمق لا يقل في المتوسط عن ٦٠٠ متر، هذا إذا كان ضغط الغازات في باطن الأرض عاديا، أما إذا كان الضغط كبيرا فان الزيت يستمر متدفقا داخل الأنابيب من نفسه مدة طويلة حتى يهبط ضغطه، وعندئذ تدار المضخة بواسطة محركات قوية فيخرج الزيت على هيئة سائل كثيف لونه اسمر داكن مشبع بغازات فوارة ومختلط بدقائق الماء الملح وبعض المواد الصلبة والأملاح فيرسل في أنابيب إلى أجهزة خاصة لتنقية مما فيه فتنفصل عنه أولا الغازات الخفيفة التي ينتفع ببعضها محليا كوقود ثم تفصل عنه الأملاح بغسله بالماء الغذب في أحواض مقفلة ثم يفصل عنه الماء بطرق كهربائية في مصنع كبير مشيد بالقرب من الآبار، ومن جهازات التنقية يذهب الزيت إلى